السلام عليكم أحباءنا ورحمة الله. أهلا بكم في أولي حلقات هذا البرنامج الذي نسعي فيه للفوز بمعرفة أسمي بأهل بيت النبوة عليهم السلام وأخلاقهم. ووصاياهم كمقدمة للأقتداء بهم والتقرب الي الله عزوجل بذلك والبرنامج روائي نحرص فيه علي نقل الأحاديث الشريفة التي روتها المصادر المعتبرة وبطرق كثيرة تورث الإطمئنان بصحتها وإن لم نذكر المصادر إختصاراً وإعتماداً علي إشتهار الروايات وتوافر إمكانية معرفة مصادرها بسهولة في العصر الحاضر.
ولنبدأ بما روي عن رسول الله (صلي الله عليه وآله)، أنه قال في آخر وصاياه: أيها الناس، الله الله في أهل بيتي، فإنهم أركان الدين ومصابيح الظلم ومعدن العلم وعنه (صلي الله عليه وآله)، قال في دعاء له: اللهم أهل بيتي وأنا مستودعهم كل مؤمن وفي حديث تفسيري قال (صلي الله عليه وآله): من حفظني في أهل بيتي فقد اتخذ عند الله عهداً وكان من وصاياه (صلي الله عليه وآله) قوله: احفظوني في عترتي.
وهذه وصية تشمل جميع أجيال المسلمين يؤكدها قوله (صلي الله عليه وآله): مؤمنوا أمتي يحفظون وديعتي في أهل بيتي إلي يوم القيامة وعنه (صلي الله عليه وآله): من أحب أن يبارك له في أجله، وأن يمتعه الله بما خوله فليخلفني في أهلي خلافة حسنة.
وأحسن خلافته (صلي الله عليه وآله) فيهم (عليهم السلام) هو التقرب الي الله عزوجل بمودتهم والتمسك بولايتهم والتخلق بأخلاقهم فهي مظهر أخلاق الله عزوجل، لنتدبر في قول مولانا الإمام علي (عليه السلام) حيث قال: إن الله كريم حليم عظيم رحيم، دلنا علي أخلاقه وأمرنا بالأخذ بها وحمل الناس عليها، فقد أديناها غير متخلفين، وأرسلناها غير منافقين، وصدقناها غير مكذبين، وقبلناها غير مرتابين.
ولنفتح قلوبنا لنموذج لتجلي الكرم الإلهي في آل محمد (صلي الله عليه وآله) فقد روي عن ابي هريرة قال: جاء رجل الي النبي (صلي الله عليه وآله) فشكا إليه الجوع، فبعث رسول الله (صلي الله عليه وآله) إلي بيوت أزواجه، فقلن: ما عندنا إلا الماء، فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): من لهذا الرجل الليلة؟
فقال علي بن أبي طالب (عليه السلام): أنا له يا رسول الله.
وأتي فاطمة (عليها السلام) فقال: ما عندك يا ابنة رسول الله؟
فقالت: ما عندنا إلا قوت الصبية لكنا نؤثر ضيفنا.
فقال علي (عليه السلام): يا ابنة محمد، نومي الصبية واطفئي المصباح، فلما أصبح علي (عليه السلام) غداً علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) فأخبره الخبر، فلم يبرح حتي أنزل الله عزوجل: قوله عز من قائل: «وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ».
في الفقرة التالية ننقل لكم فقرات من وصية كتبها الإمام الباقر (عليه السلام) لسعد الخير، وهو من خيار أصحابه، ورغم أنه ينتمي نسباً الي بني أمية، إلا أن الإمام الباقر (عليه السلام) قال عنه إنه من أهل البيت لأنه كان متبعاً لهم (عليهم السلام). وفي هذه الوصية إشارات جلية الي ثمار التقوي وبركاتها.
قال (عليه السلام): أوصيك بتقوي الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب، إن الله عزوجل يقي بالتوقي عن العبد ما عزب عنه عقله، ويجلي بالتقوي عنه عماه وجهله، وبالتقوي نجا نوح ومن معه في السفينة وصالح ومن معه من الصاعقة، وبالتقوي فاز الصابرون ونجت تلك العصب من المهالك.
ثم قال (عليه السلام) في صفة شيعتهم الساعين لإكتساب فضيلة التقوي: ولهم إخوان علي تلك الطريقة يلتمسون تلك الفضيلة، نبذوا طغيانهم من الإيراد بالشهوات لما بلغهم في الكتاب من المثلات، حمدوا ربهم علي ما رزقهم وهو أهل الحمد، وذموا أنفسهم علي ما فرطوا وهو أهل الذم، وعلموا أن الله تبارك وتعالي الحليم العليم، إنما غضبه علي من لم يقبل منه هداه. ثم أمكن تبارك وتعالي أهل السيئات من التوبة بتبديل الحسنات، دعا عباده في الكتاب إلي ذلك بصوت رفيع لم ينقطع ولم يمنع دعاء عباده، فلعن الله الذين يكتمون ما أنزل الله، وكتب علي نفسه الرحمة فسبقت قبل الغضب فتمت صدقا وعدلا، فليس يبتدئ العباد بالغضب قبل يغضبوه، وذلك من علم اليقين وعلم التقوي.
ثم قال مولانا الباقر (عليه السلام) في بيان سيئات فقدان التقوي وموالاة غير أولياء الله عزوجل، قال: وكل أمة قد رفع الله عنهم علم الكتاب حين نبذوه وولاهم عدوهم حين تولوه. وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده، فهم يروونه ولا يرعونه، والجهال يعجبهم حفظهم للرواية، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية. وكان من نبذهم الكتاب أن ولوه الذين لا يعلمون، فأوردوهم الهوي، وأصدروهم إلي الردي، وغيروا عري الدين، ثم ورثوه في السفه والصبا، فالأمة يصدرون عن أمر الناس بعد أمر الله تبارك وتعالي وعليه يردون، فبئس للظالمين بدلا ولآية الناس بعد ولاية الله، وثواب الناس بعد ثواب الله، ورضا الناس بعد رضا الله.