السّلام على الحسين وعلى علي بن الحسين، وعلى اولاد الحسين، وعلى اصحاب الحسين.
اختلف عدد شهداء كربلاء عن المؤرخين وأصحاب السير، وإن بلغ عندهم أكثر من مئة شهيد، ولعل أقدم من ثبّت ذلك مع ذكر اسمائهم: المحدث الجليل الفضيل بن زبير الكوفي الاسدي، احد اصحاب الامامين: الباقر والصادق (عليهما السّلام)، مفصلاً في ذلك روايات مسندة عن رجال معروفين في كتاب له عنوانه: (تسمية من قتل مع الحسين (عليه السّلام) من ولده وإخوته وأهل بيته وشيعته) حققه فضيلة السيد محمد رضا الحسيني الجلاليّ، وقد احتوى على اسماء الشهداء لم يذكروا في موضع آخر، وعلى آثار وروايات وتفصيلات لم توجد في كتاب آخر، مما يرفع من قيمته العلمية والتاريخية.
وهنا احببنا أن نذكر من تبقى من كوكبة الفتح المبين، شهداء يوم عاشوراء، في طفّ كربلاء.
فيمن ذكر من اصحاب الامام الحسين (عليه السّلام): الادهم بن امية العبدي وكان ممن التحق برحل لأبي عبدالله الحسين مع يزيد بن ثبيط العبديّ من الشيعة البصرية، وقد اصطف في عسكره وثبت مع جملة من الاصحاب الغيارى الاوفياء، حتى نال مناه عندما جعل اصحاب الشمر يرشقون اصحاب الامام الحسين بالسهام والنبال عن بعد في الحملة الاولى ويذكر في شهداء الطف رجل كان قد خرج مع عمر بن سعد، فلما رى اصطفاف الاصحاب حول إمامهم سيد شباب اهل الجنة (صلوات الله عليه) يقونه بأرواحهم، مال قلبه الى ابي عبدالله الحسين مرّة واحدة، فأسرع منضماً الى عسكره وأنصاره، ثم لم يطق صبراً حتى دخل المعركة بقلب يتوق الى الشهادة المكفرة عن ذنوبه، فبرز يقاتل، حتى قتل شهيداً بين يدي سيّد الشهداء، ذلك هو بكر بن حييّ التيميّ (رضوان الله تعالى عليه).
وذكر مترجموا الرجال واصحاب السّير والتواريخ، انّ أمية بن سعد الطائي كان من اصحاب امير المؤمنين علي (عليه السّلام)، وكان تابعياً، نزل الكوفة مدّة، فلما سمع بقدوم الامام الحسين (عليه السّلام) الى كربلاء خرج اليه ايام المهادنة، ايام التقاء الامام الحسين (عليه السّلام) بجيش الحرّ الرياحيّ، فلما أصبح يوم عاشوراء، كان امية بن سعد الطائي احد المقاتلين في الحملة الاولى، حيث اقتتل الاصحاب ساعة من النهار، فكان فيهم عدة من الشهداء بين يدي ابي عبد الله الحسين (سلام الله عليه)، منهم امية بن سعد الطائي (رضوان الله تعالى عليه).
وأخيراً يأتي في عداد شهداء كربلاء: اسم رجل شهم آخر، ذاك هو ابو الشعثار يزيد بن زياد بن مهاصر الكنديّ البهدليّ، أصله من عرب الجنوب باليمن، كان رجلاً شريفاً شجاعاً، من اهل الكوفة. خرج الى الامام الحسين (عليه السّلام) قبل وصول جيش الحرّ الرياحي في منطقة (شراف).
قال المؤرخ المعروف (ابو مخنف): لما كاتب الحرّ عبيد الله بن زياد في امر الحسين (عليه السّلام) وجعل يسايره جاء الى الحرّ رسول ابن زياد، وهو مالك بن النسر الكنديّ، فسلمه كتاباً عن عبيد الله فما كان من الحرّ (رضوان الله عليه) إلاّ أن يأتي بالكتاب الى ابي عبد الله الحسين (سلام الله عليه).
وهنا عن مالك بن النسر ليزيد بن زياد الكنديّ وهو من قومه وعشيرته فقال يزيد يسأله: أمالك بن النسر انت؟!
قال: نعم.
فقال له يزيد: ثكلتك امك! ماذا جئت به؟
قال مالك: ما جئت به أطعت إمامي (اي عبيد الله)، ووفيت ببيعتي (اي ليزيد بن معاوية).
فقال له: يزيد الكنديّ عصيت ربك، وأطعت إمامك في هلاك نفسك، وكسبت العار والنار!
ألم تسمع قول الله تعالى: «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ». (سورة القصص، 41)، فهزئ مالك بن النسر وولى.
روى ابو مخنف في (مقتل الامام الحسين عليه السّلام) أن يزيد بن زياد الكنديّ قاتل وهو فارس، فلما عقرت فرسه جثا على ركبتيه بين يدي الامام الحسين (صلوات الله عليه) وجعل يرمي بمئة سهم، ما سقط منها خمسة، وكان رامياً وكلما رمى قال: انا ابن بهدلة فرسان العرجلة، والامام الحسين (عليه السّلام) يدعو له: (اللهم سدد رميته، واجعل ثوابه الجنة). فلما نفدت سهام زيد بن زياد، قام (رضوان الله عليه) يواصل القتال باستلال سيفه، فحمل على القوم وهو يرتجز قائلاً:
انا يزيد وابي مهاصر
كانني ليث بغيل خادر
فلم يزل (رضوان الله عليه) حتى قتل شهيدا مضمخاً بدمائه. وفيه يقول الشاعر الموالي: الكميت بن زيد الاسدي:
ومال ابو الشعثاء اشعث دامياً
وإنّ ابا حجل قتيل محجّل
واشرف من ذلك سلام زاك يبعثه الامام المهديّ المنتظر (عجل الله تعالى فرجه) يوم زار شهداء عاشوراء، حيث قال في زيارته المباركة: السّلام على يزيد بن زياد بن مهاصر الكنديّ، إلى أن قال (سلام الله عليه) يخاطبهم جميعاً:
السّلام عليكم يا خير انصار، سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ، بوّأكم الله مبوّأ الابرار. اشهد لقد كشف الله لكم الغطاء، ومهد لكم الوطاء، واجزل لكم العطاء، وكنتم عن الحق غير بطاء، وانتم لنا فرطاء، ونحن لكم خلطاء، في دار البقاء.