بسم الله، والحمد لله، واطيب الصلاة وازكاها على المصطفى حبيب الله، وعلى آله اولياء الله.
من اصحاب الامام الحسين (عليه السلام) من كان له دور كبير في وصل الوشائج بين الامام والملأ، ينقل بينهم الرسائل والاخبار، ويدعو الى نصرة صاحب الامر، وإمام الزمان والعصر، مُيسراً بذلك سبيل النصرة.
وكان من اولئك الحجاج بن زيد السعدي، هكذا ذكره المؤرخون واهل اليسر: بصريٌّ من بني سعد بن تميم، جاء بكتاب مسعود بن عمرو الى الامام الحسين (عليه السلام)، فبقى معه حتى يوم عاشوراء.
أما كتاب مسعود بن عمرو هذا فله قصة طويلة، مفادها أنّ هذا الرجل جمع قومه، واطال معهم الوعظ والتنبيه والتذكير، ودعاهم الى نصرة ابي عبد الله الحسين قائلاً لهم: إنّ معاوية قد مات، فأهون به ـ والله هالكاً ومفقوداً! ـ وقد كان احدث بيعة (اي الى يزيد ابنه) عقد بها امراً ظن انه أحكمه، وهيهات الذي اراد وقد قام يزيد شارب الخمور، ورأس الفجور، يدعي الخلافة على المسلمين، ويتأمر عليهم بغير رضى منهم، مع قصر حلم، وقلة علم، لا يعرف من الحق موطأ قدمه. فأقسم بالله قسماً مبروراً، لجهاده على الدين، افضل من جهاد المشركين. وهذا الحسين بن علي امير المؤمنين، وابن رسول الله صلى الله عليه وآله، ذو الشرف الاصيل، والرأي الاثيل، له فضل لا يوصف، وعلم لا ينزف، هو اولى بهذا الامر، فأكرم به راعي رعية، وامام قوم وجبت لله به الحجة، وبلغت به تاموعظة والله لا يقصر احد عن نصرته الا اورثه الله الذلة في ولده، والقلة في عشيرته. وها انا ذا قد لبست للحرب لامتها، وادرعت لها بدرعها.
من لم يُقتل يمت، ومن يهرب لم يفت، فأحسنوا (رحمكم الله) رد الجواب.
فماذا كان ـ يا ترى ـ ذلك الجواب ـ؟
قال بنو حنظلة لمسعود بن عمرو بعد خطبته: نحن نبلو كنانتك، وفرسان عشيرتك، لا تخوض غمرة الا خضناها، ولا تلقى ـ والله ـ الا لقيناها وقال بنو اسد: ان ابغض الاشياء الينا خلافك، والخروج من رأيك.
وقال بنو عامر: نحن بني ابيك وحلفاؤك، لا نرضى إن غصبت، ولا نوطن إن ظعنت، فادعونا بحبك، وامرنا نطعك، والامر اليك إن شئت.
جينها كتب مسعود بن عمرو الى الامام الحسين سلام الله عليه كتابه، ارسله مع الحجاج بن زيد السعدي، وكان فيه:
ان الله لم يخل الارض من عامل عليها بخير، ودليل على سبيل نجاة، وانتم حجة الله على خلقه، ووديعته في ارضه، تفرعتم من زيتونة احمدية، هو اصلها وانتم فروعها، فأقدم سُعدت بأسعد طائر فقد ذللت لك اعناق بني تميم وذللت لك بني سعد وغسلت درن قلوبها بماء سحابة مزن.
فحمل الحجاج بن زيد كتاب مسعود، وكان متهيئاً للمسير نحو الامام الحسين صلوات الله عليه وهو في طف كربلاء، فلما قرأ الامام كتاب مسعود قال للحجاج: آمنك الله من الخوف، وعزّك وأرواك يوم العطش الاكبر.
وبقي الحجاج بن زيد كع ابي عبد الله الحسين، حتى استشهد بين يديه.
قال المحليّ في (الحدائق الوردية): قتل الحجاج بن زيد السعدي مبارزه بعد ظهر عاشوراء.
وقيل: قتل في الحملة الاولى بعد الظهر. نعم، وزاره بعد حين حجة الله المهدي صلوات الله عليه: السلام على الحجاج بن زيد السعدي، ثم سلم على جملة الانصار الاصحاب الذين نصروا الحسين على قلة عددهم. وفيهم يقول الشاعر:
قل الصحابة غير
ان قليلهم غير القليل
من كان لبيض واضح
الحسبين معدوم المثيل
من معشر ظربوا الخبا
في مفرق المجد الاثيل
وعصابة عقدت عصابة
عزهم كفوّا الجليل
وردوا على الظمأ الردى
ورد الزلال السلسبيل
وثووا على الرمضاء من
كاب ومنعفر جديل
ونقرأ في زيارة الامام المهدي ارواحنا فداه لشهداء طف كربلاء، يوم عاشوراء: السلام على الجريح المأسور سوار بن ابي حُمير الفهمي الهمداني. السلام على المرتث معه عمرو بن عبد الله الجندعي.
والمرتث هو من حُمل من ساحة المعركة بعد ان قاتل واثخن بالجراح، فاخرج من ارض القتال وبه رمق. وكان عمرو بن عبد الله الجندعي، هو احد الاصحاب الذين وفقوا للالتحاق بمعسكر ابي عبد الله الحسين سلام الله عليه ايام المهادنة في كربلاء، وبعد ان انظم الى الركب الحسيني اصطف كتفاً الى كتف مع اصحاب الامام الحسين ينتظر الساعة التي ينتصر فيها لامامه ؛ فأذا كان اليوم العاشر من المحرم وكانت الحملة الاولى في نهضة شهمة نهضها الاصحاب بعد ان رُشقوا جميعهم بسهام الفتنة ايذاناً بالحرب بعد سهم عمر بن سعد. فدخل عمرو الجندعي في غمار الاصحاب مجدردا سيفه يخوض في افواج اعداء الله يضرب فيهم يمنة ويسرة، وعجت غبرة عظيمة، ما انجلت الا عن خمسين صريعاً من اصحاب ابي عبد الله الحسين (عليه السلام)، ما بين قتيل طريح، ومرتث جريح.
وكان عمرو بن عبد الله الجندعي من بين الصرعى الجرحى، فوقع مرتثاً بالجراحات، اثر ضربات اصابت بدنه ورأسه، فحمله قومه وبقي مريضاً من ظربة على هامته، طريح الفراش سنة كاملة، حتى وافاه الاجل رضي الله عنه بعد عام من واقعة عاشوراء.
واما سوار بن منعم الهمداني النهميّ، فقد ذكر المؤرخون وأصحاب السير انه قاتل هو الاخر في الحملة الاولى قتال الابطال حتى ارتث بالجراح، فصرع على الارض ولم يستشهد، الا انه ا ُخذ اسيراً، فجئ به الى عمر بن سعد، فاراد قتله، الا ان قوم سوار من الهمدانيين تشفعوا فيه لدى ابن سعد فشفعه، فبقي اسيراً جريحاً يعاني آلامه حتى توفي رضوان الله عليه بعد حين، حيث ذكر بعض المؤرخين ان قومه لم يستطيعوا اطلاق سراحه، وانما دفعوا عنه القتل فحسب، فبقي اسيراً وهو جريح، حتى فاضت روحه الطيبة بعد ستة اشهر كما قيل، فسلام عليه في المجروحين، وسلام عليه في المأسورين، وسلام عليه في الآلمين، وسلام عليه في الشهداء الملتحقين.