الحمد لله أفضل نعمه الايمان، وازكى صلاته على المصطفى رسول الرحمة والاحسان، وعلى آله الهداة الى مرضاة الرحمان.
الزهد بالدنيا يجعل الانسان عزيزاً يأبى الذلة والحيف والظلم، وينقله الى التطلع نحو الآخرةبما عند الله جل وعلا من الرحمة والنعيم الابدي، والكرامة العليا. وقد يجتمع الاسم الى المسمى ّ، فيكون احد اصحاب الامام الحسين عليه السلام: اسمه زاهد، ومن صفاته انه زاهد، ذلك هو مولى عمرو بن الحمق وصاحبه.
قال اصحاب السير: إن عمرو بن الحمق رضوان الله عليه لما قام بنهضته على زياد ابن ابيه، قام (زاهد) معه، وكان صاحبه في القول والفعل، فلما طلب معاوية بن ابي سفيان عمرو بن الحمق ليقتله، طلب معه زاهداً، لكنه قتل عمرو فيما افلت زاهد، ليكتب الله تعالى له عمراً جديداً يبذله في نصرة الحق وإمامه، ومجاهدة الباطل وأزلامه.
(زاهد) رضوان الله عليه نتعرف عليه من كتب السيرة، فنجده رجلاً كوفياً، بل من شخصيات الكوفة، من موال كندة، وكان من اصحاب الشجرة الذين شهدوا بيعة الرضوان لرسول الله (صلى الله عليه وآله). روى عن النبي، وشهد الحديبية وخيبراً.
وعُرف زاهد هذا بطلاً مجرباً شجاعاً مشهوراً، محباً لاهل البيت النبوي الشريف.
أما كيف التقى بالامام ابي عبد الله الحسين (سلام الله عليه)، فيذكر المؤرخون أن (زاهداً) رحمه الله كان قد تشرف بحجّ بيت الله الحرام سنة ستين من الهجرة النبوية المباركة، فيما كان الامام الحسين (عليه السلام) في مكة بعد مغادرته المدينة ليتوجه الى العراق، فالتقى زاهد بإمامه هناك. وحينها أنفذ يزيد بن معاوية عمرو بن سعيد ين العاص في عسكر له، وأمره على الحجيج وولاه أمر الموسم، موكلاً اليه مهمة اغتيال الحسين عليه السلام أينما وجده، ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة. عندها عزم ابو عبد الله الحسين صلوات الله عليه على الخروج من مكة يوم التروية قبل لتمتم حجه، تجنباً من ان تستباح بقتله حرمة البيت الحرام، ولمنه سلام الله عليه قبل ان يخرج من مكة قام خطيباً فقال: «خُط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما اولهني الى اسلافي اشتياق يعقول الى يوسف. وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا، فيملأن مني اكراشاً جُوفاً، وأجربة سغباً. لا محيص عن يوم خُط بالقلم. رضى الله رضانا اهل البيت، نصبر على بلائه ويوفينا اجور الصابرين، لن نشذ عن رسول الله لُحمته، بل هي مجموعة له في حظيرة القدس، ألا من كان فينا باذلاً مهجته، موطناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا، فاني راحل مُصبحاً إن شاء الله تعالى».
وكان رجال باذلين في آل الله مهجهم، موطنين على الشهادة أنفسهم، انظموا الى ركب سيد الشهداء ابي عبد الله الحسين خلال اقامته عليه السلام في مكة، ومنهم: زاهد مولى عمرو بن الحمق، فصحب إمامته في منازله كلها، حتى حضر معه في كربلاء.
قرب مساء عاشوراء، فخطب الامام الحسين عليه السلام بالركب القادم معه، وكان من كلامه الشريف قوله: واني قد اذنت لكم، فانطلقوا جميعاً في حل ليس عليكم مني ذمام. فأبى اهل بيته الانصراف، ثم فداه الاصحاب بعبارات يشابه بعضها البعض، فجزاهم الحسين صلوات الله عليه خيراً.
واذا كان (زاهدا) لم يتكلم بلسانه ـ كما تكلم مسلم بن عوسجة، وسعيد بن عبد الله الحنفي، وزهير بن القين، وغيرهم فقد ثبت وتثبت بقلبه على اقوالهم، وكان رايه ومواقفه منضمين الى موقفهم. كما يصورها الشاعر الاديب بقوله:
فابت نفوسهم الابية عند ذا
ان يتركوه مع العدى ويؤوبوا
وتواثبت ابطالهم .. وجميعهم
بالحزم والقول الشديد مجيب
كلا .. فلسنا تاركيك، ومابه
يوم القيامة للنبي نجيب؟!
نفديك بالمهج الغوالي نبتغي الرضوان، ما فينا بذاك مريب.
وكانت الحملة الاولى بعد ان رمي الاصحاب برشق من سهام الحقد والفتنة، فنهضوا جرحى اذ ناداهم سيدهم بالنهوض الى الموت الذي لابد منه، والى اتمام هذه الملحمة الالهية التي تهدي فيها الارواح في ساحة الحق والشهادة الكبرى. فقاموا وحملوا حملة واحدة، واقتتلوا اقتتالاً شديداً، خلف ذلك خمسين شهيداً بين يدي سيد الشهداء ابي عبد الله الحسين سلام ربنا عليه، وكان من بين الشهداء الابرار في هذه الحملة: زاهد مولى عمرو بن الحمق رضوان الله عليه.
فسلام عليه في الاوفياء وسلام عليه في السعداء، وسلام عليه من الله تبارك وتعالى ومن خاتم الاوصياء، الامام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، حيث يقول في ضمن زيارته لشهداء طف كربلاء: السلام على "زاهد" مولى عمرو بن الحمق.