الحمد لله آناء الليل والنهار، وأشرف الصلاة والسلام على النبي المختار، وعلى آله الهداة الابرار.
الحياة فرص، والفرص توفيقات الهية يسعد من يعتنمها، ومن تلك الفرص الطيبة مصاحبة الانبياء والاولياء سلام الله عليهم اجمعين، وتصديقهم والاخذ عنهم والتسليم لهم، ونصرتهم ومؤازرتهم وتلك نصرة لله تعالى من خلال الدفاع عن الدين وتأييد أهله.
وقد تهيأت فرصة كبرى مع الامام ابي عبد الله الحسين (عليه السلام)، وفي موقف عظيم، كتب الله سبحانه وتعالى له أن يخلد على مدى التاريخ، تاريخ الدنيا المنقضية، وتاريخ الآخرة الممتدة الابدية.
فهبّ له الاقون، فسرُّوا، وقعد عنه الاكثرون، فتحسروا. فالركب الحسيني الشريف قافلة آلهية يتقدمها وليّ الله، يحدو بها الى الله ليدخل بها في اعالي مرضاة الله، جلّ وعلا، وهو القائل، عزّ من قائل: «وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» (سورة التوبة، 72)، أجل، فقد تاقت أرواح المؤمنين الى رضوان من الله تعالى، إذ هو اكبر من الجنات والمساكن الطيبة، فطلبوه مع الامام الحسين، فنالوه بالشهادة بين يدي ابي عبد الله الحسين.
وكان ممن التحق بالركب الحسيني، ونال شرف الانضمام اليه رجل خثعمي يدعى زهير بن بشر، وفي بعض الكتب جاء اسمه زهير بن سليم، والظاهر اتحاد الاسم كما يبدو في الزيارة الرجبية الشريفة، فهو من خثعم بن أنمار من القحطانية عرب الجنوب باليمن.
لاحق الايام هذا الرجل الشهم، فأقبل على سيد شباب اهل الجنة ليلة عاشوراء، عندما تيقن تصميم القوم على قتل الحسين (عليه السلام)، كيف ذلك؟
كان ذلك لما سأل الحرّ الرياحي عمر بن سعد: أمقاتل انت هذا الرجل؟
فأجابه ابن سعد: اي والله قتالاً ايسره ان تسقط فيه الرؤوس، وتطيح فيه الايدي.
سأله الحر: مالكم فيما عرضه عليكم؟
أجابه ابن سعد منهزماً: لو كان الامر اليّ لقبلت، ولكن أميرك (اي عبيد الله بن زياد) أبى ذلك. فتركه الحرّ ووقف مع الناس، حتى حانت فرصته التوفيقية، فانحاز الى معسكر الامام الحسين (عليه السلام).
وكان ابو الفضل العباس ابن امير المؤمنين (عليه السلام) قد تقدم الى القوم، بعثه أخوه الحسين يسألهم عما جاء بهم، ليكشف لهم حججه البالغة، فكان جوابهم النزول على حكم عبيد الله أو ننازلكم الحرب.
فبعث الامام الحسين (عليه السلام) أخاه العباس أن يستمهلوهم هذه العشية الى غد، ليتفرغ الحسين وأصحابه للدعاء والصلاة وتلاوة القرآن، عندها توقف عمر بن سعد عن الزحف.
وكانت فرصة ً لسيد الشهداء وأهل بيته وأصحابه أن يُحيوا ليلة عظيمة بالطاعات والعبادات في أسمى ساعاتها وحالاتها، وهي الليلة الاخيرة للشهداء ولأهليهم المودّعين لهم.
وتلك كانت حكمة من الامام الحسين سلام الله عليه مشهودة وحكمة اخرى ـ وحكمة كثيرة وعظيمة ـ أنّ ليلة عاشوراء أصبحت فرصة غنيمة لأن تنتقل جماعة متحيرة بصرت، لتنتقل من معسكر الضلال والاضلال معسكر عمر بن سعد، الى معسكر الهداية والسعادة والانوار معسكر ابي عبد الله الامام الحسين (صلوات الله عليه)، وتلك الجماعة لم تكن تتوقع، او تتصور أنّ قتالاً سيقع! فلما ايقنت حكّمت ضمائرها، واستهدت بصائرها، فاختارت السعادة الابدية. وكان من تلك الجماعة الموفقة التي زحفت في جنح الظلام تلك الليلة ليلة عاشوراء، زهير بن بشر الخثعمي رضوان الله عليه، فأنظم الى قافلة آل البيت، واصطف مع اصحاب الحسين، ليرحل الى الله تبارك وتعالى بالشهادة، وينال اعلى حالات السعادة.
بعد ان انضم زهير بن بشر الخثعمي الى اصحابه الازديّين الذين سبقوه الى الالتحاق بالامام الحسين (عليه السلام)، تقدّم يوم الطفّ بكربلاء للقتال،
حتى اذا شرع الاصحاب بالحملة الاولى من المعركة، نهض زهير فيمن نهض بعد رشق سهام القوم اياهم، فحمل مع الاصحاب حملة واحدة، واقتتل فيهم ساعة، حتى قامت في ساحة الطف غبرة عالية كثيفة، ما انجلت الا عن خمسين شهيدا، كان من بينهم في اولئك الشهداء السعداء: زهير بن بشر رضوان الله عليه وعليهم.
وفيه يقول الفضل بن العباس بن ربيعة من قصيدة له ينعى بها على بني امية افعالهم:
ارجعوا عامرا وردوا زهيرا
ثم عثمان فارجعوا غارمينا
وارجعوا الحر وابن قين وقوماً
قتلوا حين جاوروا صفينا
اين عمرو واين بشر وقتلى
منهم يالعراء ما يدفنونا؟!
عنى بـ "عامر" العبدي، وبـ "زهير" الشهيد ابن بشر الخثعمي، وبـ "عثمان" اخا الحسين (عليه السلام) من ام البنين عليها السلام، وبـ "الحر" ابن يزيد الرياحي، وبـ "ابن القين" زهير البجلي، وبـ "عمرو" ابن خالد الصيداوي، وبـ "بشر" ابن عمرو الحضرمي.
وزهير هو احد المخصوصين بالذكر على لسان خاتم الاوصياء الامام المهدي (صلوات الله عليه) في زيارته المباركة للشهداء يوم عاشوراء، حيث قال فيها: السلام على زهير بن بشر الخثعمي.