لهفي في رجال ابرقوا وهم
ضبا القنا وضياء في دياجينا
وكم سقوا فاجراً كأس الردى وغداً
يُسقى بذلك زقوماً وغسلينا
وكم أبادوا من الاعداء بضربهم
جمّاً غفيراً، وإن كانوا قليلينا
ليهنهم إذ دعا الداعي لحينهم
تصارخوا لمناديهم ملبينا
فجردوا لمواضي العزم وادّرعوا
قلوبهم، فأتوا للحرب ما شينا
فعانقوا لرضاه البيض واستبقوا
الى الفنا بالقنا والبيض راضينا
حتى قضوا فإذن قد صار فعلهم
قد عانقوا من عطاه الخُرّد العينا
بين الصِّفاح وسُمر الخطّ مصرعهم
وحزنهم في حشاشات الموالينا
يا ليتني متُّ فيهم دون سيدهم
ومثل أمنيتي جهد المقلينـا
يا ليتني متُّ فيهم كي اعدَّ غداً
في السابقين المُجلين المصلينا
من الشهداء السعداء الذين التحقوا بقافلة الامام الحسين بن علي (عليه السلام)، رجل يدعى (سالم مولى بني المدينة ) وبنو المدينة هم بطن من القحطانية عرب الجنوب في اليمن.
كان هذا الرجل النبيل كوفيّاً من الشيعة هناك، فخرج مع ابن عم الحسين: مسلم بن عقيل رضوان الله عليه في من خرج عند نهضته الشريفة، حتى اذا تحاذل الناس عن مسلم فأسلموه لاعدائه واستشهد، قبض على (سالم) هذا فسلم الى الطاغية عبيد الله بن زياد، فحبسه، لكن سالماً ما لبث ان أفلت من قبضة السجان ليختفي في قومه يترقب الاخبار عن كثب، حتى سمع بمقدم ابي عبد الله الحسين (صلوات الله عليه) الى كربلاء، فعقد رباط الارتحال اليه، بعد ان كان عقد في قلبه نيّة نصرته.
بعد خروج الركب الحسيني من قصر بني مقاتل ـ تحد منازل الطريق نحو الكوفة ـ أخذ الامام الحسين (سلام الله عليه) يتياسر، الى ان انتهى الى (نينوى)، وهي منطقة تكاد تكون على مشارف كربلاء، وإذا براكب على فرس وعليه سلاح، فأنتظروه، وتأملوه، وإذا هو رسول من عبيد الله بن زياد الى الحرّ الرياحيّ، وكان الحرّ قد رافق الركب الحسيني من منزل (شراف) يريد به الى الكوفة، ومعه كتاب يقول فيه للحر: جعجع بالحسين حتى تقرأ كتابي، ولا تنزله الا بالعراء (اي بالصحراء) على غير ماء وحصن! فقرأ الحرُّ الكتاب على الامام الحسين، فقال (عليه السلام): دعنا ننزل (نينوى) او (الغاضريات).
قال الحرّ: لا استطيع، فإن الرجل (اي المرسل من قبل عبيد الله) عُين علي (اي جاسوس).
فالتفت الامام الى الحرّ وقال له: سر بنا قليلاً، فساروا جميعاً، حتى إذا وصولوا الى كربلاء، وقف الحرُّ وأصحابه امام الحسين (عليه السلام) ومنعوه من مواصلة السير، قائلين له: إن هذا المكان قريب من الفرات.
ويقال: بينما هم يسيرون، اذ وقف جواد الامام الحسين (عليه السلام) ولم يتحرك، كما اوقف الله ناقة النبي (صلى الله عليه وآله) في المدينة حين دخلها لينزل ضيفا عند ابي ايوب الانصاري، عندها سال الامام عن الارض تلك، ما تسمى؟
اجابه زهير بن القين: تسمى "الطف".
فسأل (عليه السلام) ثانية: فهل لها اسم غيره؟
قال: تعرف "كربلاء".
فدمعت عيناه وقال: اللهم اعوذ بك من الكرب والبلاء، ها هنا محط ركابنا، وسفك دمائنا، ومحل قبورنا، بهذا حدثني جدي رسول الله.
كان نزول الامام الحسين (عليه السلام) في كربلاء، في الثاني من المحرم سنة احدى وستين من الهجرة.
وتسمى هذه الفترة ـ من ثاني المحرم الى العاشر منه قبل ان ينشب القتال ـ بفترة المهادنة، اذ لم ينو الحر اي مكروه للامام الحسين (عليه السلام)، حتى ان ابا عبد الله الحسين لما قال للحر في منزل "شراف" بعد ان اذن الحجاج بن مسروق لصلاة الظهر: اتصلي باصحابك؟
اجابه الحر: لا، بل نصلي جميعا بصلاتك. فصلى بهم الحسين (صلوات الله عليه)، ثم خطب فيهم بعد الصلاة.
وكذا ابو عبد الله الحسين لم تصدر منه بادرة قتال، فهدفه اسمى من ذلك، حتى ان زهير بن القين لما ابدى اقتراحه قائلا: يا ابن رسول الله، ان قتال هؤلاء (اي جيش الحر) اهون علينا من قتال من ياتينا من بعدهم!
اجابه الامام الحسين (عليه السلام): ما كنت لابداهم بقتال.
كانت تلك ايام الهدنة، خلالها التحق سالم مولى بني المدينة الكابي، بالركب الحسيني قبل ان يكون قتال، فانضم الى صف اصحاب سيد شباب اهل الجنة، ولم يزل مع الامام الحسين (سلام الله عليه) حتى انفاسه الاخيرة، مصطفاً مع الاوفياء المخلصين كانهم بنيان مرصوص. الى ان كانت الحملة الاولى، اذ هجم الشمر بن ذي الجوشن لعنه الله وهو يقول لاصحابه: احملوا عليه حملة رجل واحد، وافنوهم عن اخرهم! وفي المقابل حمل اصحاب الامام الحسين حملة رجل واحد، فكان الاقتتال طاحنا، خلف من الاصحاب خمسين شهيدا طيبا، بعد ان هجموا عشرات، يقابلون الافا ومئات.
وكان من بين اولئك الشهداء: سالم مولى بني المدينة الكلبي ّ رضوان الله تعالى عليه.
فسلام على هذا الشهيد في الاوفياء، وسلام عليه في الطيبين الشهداء، وسلام عليه من خاتم الاوصياء، حيث زاره يوم عاشوراء قائلاً: السلام على سالم مولى بني المدينة الكلبيّ.