كان من ابرز خصال اصحاب الامام الحسين عليه السلام الغيرة على اولياء الله، وعلى حُرَم رسول الله... وقد ظهرت لهم في ذلك مواقف كثيرة شامخة، بيناه في لقاءاتنا السابقة معكم وعرّفناها في حديثنا حول مسلم بن عوسجة، وحبيب بن مظاهر، والحرّ الرياحيّ، وبُرير بن خُضير وغيرهم رضوان الله تعالى عليهم.
وفي لقاءنا هذا ـ والحديث منصرف الى شخصية الشهيد نافع بن هلال الجمليّ ـ ينقل لنا المؤرخون أنّ الامام الحسين عليه السلام دخل خيمة اخته العقيلة زينب سلام الله عليها في كربلاء، بينما كان نافع ينتظره بإزاء الخيمة، فسمع زينب تقول لأخيها تسأله: هل استعلمت من اصحابك نيّاتهم؟ فإني اخشى أن يسلموك عند الوثبة!
فأجابها عليه السلام وعليها: والله لقد بلوتهم... فما وجدت فيهم إلا الاشوس الاقعس (اي الشجاع الابيّ)، يستأنسون بالمنية استيناس الطفل إلى محالب امه. قال نافع فلما سمعت هذا منه بكيت، وأتيت حبيب بن مظاهر ٍ وحكيتُ ما سمعته، فقال: والله لولا انتظار أمر الحسين عليه السلام لعاجلتهم (أي الاعداء) بسيفي هذه الليلة.
فقلت لحبيب: إنيّ خلفت الحسين عند اخته، وأظنّ النساء أفقنَ وشاركنها الحسرة... فهل لك ان تجمع اصحابك وتواجهوهُنّ بكلام يطيب قلوبهنّ؟
فقام حبيب ونادى: يا اصحاب الحمية، وليوث الكريهة! (أي يا اسود الحرب). فتطالع الاصحاب من خيامهم كالاسود الضارية، فقال حبيب لبني هاشم: ـ إرجعوا الى مقرّكم ـ لا سهرت عيونكم (أي من الحزن أو القلق). ثم التفت حبيب الى اصحابه وحكى لهم ما شاهده من نافع وسمعه، فقالوا بأجمعهم: والله الذي منّ علينا بهذا الموقف، لولا انتظار أمره لعاجلناهم بسيوفنا الساعة، فطِبْ نفساً، وقرَّ عيناً.
فجزاهم حبيب بن مظاهر خيراً، ثم قال لهم: هلمُّوا معي لنواجه النسوة فنطيّب خواطرهنّ.
فجاء حبيب ومعه اصحابه... فصاح: يا معشر حرائر رسول الله، هذه صوارم فتيانكم، آلوا ألا ّ يغمدوها الا في رقاب من يُريد السُّوء فيكم، وهذه اسنّة غلمانكم، أقسموا ألا ّ يركزوها إلا ّ في صدور من يُفرِّق ناديكم
فصاحت النسوة: ايها الطيبون، حاموا عن بنات رسول الله، وحرائر أمير المؤمنين. فضج القوم بالبكاء، حتى كانت الارض أخذت تميدُ بهم.
ويكتب الطبري في تاريخه: أنّ الماء مُنع في الطف على الحسين عليه السلام، فاشتد عليه وعلى اصحابه العطش، فدعا أخاه العباس فبعثه في ثلاثين فارسا ً وعشرين راجلا، وأصحبهم عشرين قربة... فجاؤوا حتى دنوا من ماء الفرات ليلا ً، واستقدمهم باللواء نافع بن هلال الجمليّ، فأحس بهم عمرو بن الحجاج الزبيدي، وكان حارسا ً على الماء، فصاح: من؟
أجابه نافع: من بني عمك.
سأل ثانياً: من انت؟
قال: نافع بن هلال.
سأل عمرو ثالثاً: ما جاء بك؟
قال نافع: جئنا نشرب من هذا الماء اللذي حلأتمونا عنه (أي منعتمونا عنه).
قال عمرو: إشرب هنيئاً.
قال نافع وقد كبُرت عليه عبارة عمرو: لا والله لا أشرب منه قطرة ً والحسين عطشان.
فطلع أصحاب نافع، فأعترض عمرو بن الحجاج قائلا ً لنافع: لا سبيل الى سقي هؤلاء؛ إنما وُضعنا بهذا المكان لنمنع الماء.
فلما دنا من نافع أصحابه قال لهم: إملأوا قربكم.
فنزلوا وملأوا قربهم، فثار عمرو بن الحجاج وأصحابه، فحمل عليهم ابو الفضل العباس عليهم السلام ونافع بن هلال ففرقوهم، وأخذا أصحابهما بقربهم ملاى من الماء، منصرفين إلى رحالهم، وقد قتلوا من عسكر عمر بن سعد رجالاً.
مرة اخرى مع الطبري في تاريخه، حيث كتب يقول: لما قُتل عمرو بن قرظة الانصاري (وكان من أصحاب الحسين عليه السلام)، جاء اخوه عليُّ بن قرظة (وكان من أصحاب عمر بن سعد) ليأخذ بثأره، فهتف بالحسين في كلام ٍ بذئ، كان فيه: ـ أغررت أخي وقتلته؟!
فأجابه الامام الحسين عليه السلام: إنيّ لم أغرُر أخاك، ولكن هداه الله وأضلك!
فقال عليّ بن قرظة متطاولاً ومتجاسراً: قتلني الله إن لم أقتلك!
ثم حملته النعرة الشيطانية فحمل نحو الامام الحسين عليه السلام، هنا اعترضه نافع بن هلال الجمليّ رضوان الله عليه فطعنه حتى اسقطه على الارض، فحمل اصحابه على نافع واستنقذوا جريحهم، ثم جالت الخيل مشاغلة نافع بن هلال عن قتل عليّ بن قرظة حتى نُقل الى اصحابه، فردّ نافع خيل عمر بن سعد وكشفها عن التقدم نحو عسكر ابي عبد الله الحسين عليه السلام.
وبقي نافع بن هلال في وسط طف كربلاء، بطلا ً يُنشد اراجيزه ببطولة ٍ وشجاعة وشهامة، يلتمع سيفه في وجه الاعداء التماع عزّة وإباء، مع قلة الناصر.
ومشى موكب الحسين قليل
العدّ والدرُّ لايكون تلالا
بل حبوب قليلة تبهر
الآفاق لمعا ً، وتملأ الآصالا