قد علمت كتائب الانصار
ان سوف احمي حوزة الذمار
فعل غلام غير نكس، شار
دون حسين مهجتي وداري
بيات دويا في ساحة طف كربلاء، يوم عاشوراء... فمن صدع بهما في ذلك اليوم العصيب، وفي ساعة الامتحان الرهيب؟! انه عمروا بن قرظة الانصاري رضوان الله عليه.. فمن هذا الرجل يا ترى؟
هو عمروا بن قرظة بن كعب، الخزرجي الانصاري الكوفي، من عرب الجنوب (اليمن)، ابوه شاعر معروف كان يكنى بابن الاطانبة، وكانت له صحبة مع النبي صلى الله عليه وآله، وله ابنان:
الاول: هو عمرو بن قرظة... الشهيد بين يدي ابي عبد الله الحسين سلام الله عليه.
والثاني: هو علي بن قرظة... الهالك في جحيم اعداء ابي عبد الله الحسين عليه السلام، مع ان اباه قرظة كان من الصحابه الرواة، وكان من اصحاب امير المومنين علي (عليه السلام)، نزل الكوفة وحارب الى جنب امامه في حروبه، وقد ولاه الامام بلاد فارس حتى توفي سنة احدى وخمسين من الهجرة الشريفة، مخلفا اولاد، اشهرهم عمرو، فما هي ـ يا ترى ـ مواقفه؟
نما عمرو بن قرظة على سر ابيه ونهجه، اذ والى آل الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم، فأقبل الى الامام الحسين صوات الله عليه ايام الهدنة، عند نزوله بكربلاء قبل الممانعة، فاخذ الامام الحسين عليه السلام يرسل عمروا بن قرظة الانصاري الى عمر بن سعد مفاوضا في المحادثة التي دارت بينهما قبل ارسال شمر بن ذي الجوشن، فياتيه عمرو بن قرظة بالجواب... حتى كان قطع المفاوضات بين ابي عبد الله الحسين عليه السلام وعمر بن سعد بوصول الشمر، وخلال ذلك كان سفير الحسين هو عمرو بن قرظة، حتى كان يوم العاشر من المحرم، فاي موقف كان لعمر يا ترى؟
اصبح الصباح في يوم عاشوراء، فصف الامام الحسين عليه السلام عسكره، بعد ان صلى باصحابه صلاة الفجر ثم قام خطيبا فيهم، فحمد الله واثنى عليه، وقال لهم: ان الله تعالى اذن في قتلكم وقتلي في هذا اليوم، فعليكم بالصبر والقتال.
ولم يرغب سيد الشهداء عليه السلام في ان يبتدى بقتال، حتى بادر عمر بن سعد بفتنته حين رمى بسهم نحو عسكر الحسين مناديا: اشهدوا لي عند الامير اني اول من رمى. ثم رمى الناس، فلم يبق من اصحاب الحسين عليه السلام احد الا اصابه من سهامهم، حينها نادى الامام باصحابه: قوموا (رحمكم الله) الى الموت الذي لابد منه؛ فان هذه السهام رسل القوم اليكم فحمل اصحابه ـ وفيهم عمرو بن قرظة الانصاري ـ حملة واحدة، واقتتلوا ساعة، فما انجلت الغبرة الا عن خمسين صريعا من اصحاب الحسين!
ولما نظر الامام الحسين سلام الله عليه الى كثرة من قتل من اصحابه، اخذ الرجلان والثلاثة منهم يستأذنونه في الذب عنه والدفع عن حرمه، حتى اذا رأى عليه السلام كثرة من قتل من اصحابه، قبض على شيبته المقدسة وقال: اشتد غضب الله على اليهود؛ اذ جعلوا له ولداً.. واشتد غضب الله على النصارى؛ اذ جعلوه ثالث ثلاثة... واشتد غضب الله على المجوس؛ اذ عبدوا الشمس والقمر دونه.. واشتد غضب الله على قوم اتفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيهم! اما والله لا اجيبهم الى شيء مما يريدون، حتى القى الله وانا مخضب بدمي، ثم صاح في الناس ملقيا حججه عليهم: اما من مغيث يغيثنا؟! اما من ذاب يذب عن حرم رسول الله؟! فالتهبت غيرة الاصحاب وفيهم عمرو بن قرظة.
بان النقص في اصحاب الامام الحسيين عليه السلام، وقل عددهم، حتى اخذ يبرز الرجل بعد الرجل، فخرج مسلم بن عوسجة.. وحبيب بن مظاهر.. والحر الرياحي.. وابو ثمامة الصائدي.. فقاتلوا حتى استشهدوا رضوان الله تعالى عليهم.
عندها تقدم عمرو بن قرظة الانصاري يستأذن امامه الحسين عليه السلام في القتال، فأذن له، فبرز عمرو وهو يقول:
قد علمت كتائب الانصار
ان سوف احمي حوزة الذمار
فعل غلام غير نكس، شار
دون الحسين مهجتي وداري
وجال عمرو بن قرظة يقاتل فداء للامام ودفاعا عن حريمه، حتى قتل جمعا كثيرا من عسكر عمر بن سعد. وبعد ان قاتل ساعة.. يصول ويجول وحده وسط جموع الاعداء، رجع الى الامام الحسين عليه السلام يحميه، اذ راه في خطر، حيث توجهت اليه سهام اللؤماء ورماحهم، فوقف يقيه بنفسه، وجعل يتلقى السهام بصدره وجبهته، ويصد السيوف ببدنه ومهجته، واقفا امام سيده وامامه الحسين صلوات الله عليه كالسد المنيع، فلم يصل الى الامام سوء، لكن عمرو بن قرظة اثخن بالجراح، فهوى على الارض وعيناه متوجهتان الى وجه سيد الشهداء، حريصتان عليه، وشفاه تتمتمان: أوفيت يا بن رسول الله؟!
فاجابه سيد شباب اهل الجنة: نعم، انت امامي في الجنة، فاقرئ رسول الله عني السلام، واعلمه اني في الاثر.
وحلقت روح عمرو في الشهداء، بعد ان فدى امامه بنفسه الطيبة، فاحزن مصرعه الحسين عليه السلام، كما احزن حجة الله المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فكان منه اليه سلامه في زيارته عليه السلام لشهداء كربلاء: "السلام على عمرو بن قرظة الانصاري".