السّلام علي الحسين، وعلي عليّ بن الحسين، وعلي اولاد الحسين، وعلي اصحاب الحسين.
اللهم ارزقني شفاعة الحسين يوم الورود، وثبت لي قدم صدقٍ عندك مع الحسين، واصحاب الحسين، الذين بذلوا مهجم دون الحسين (عليه السلام).
ان يلتحق امرؤٌ بالامام الحسين، وينتمي بكلِّكيانه الي ركب الحسين، ويبذل مهجته دون الحسين... ذلك توفيقٌ فريد ناله الصادقون الصابرون، اهل البصائر وذوو الحظّ العظيم، اصابوه اختياراً، كما اخطاه الكثير اختياراً.
وكان من اولئك الموفّقين: جنادة ُ بن الحرث المذحجيّ المراديّ الكوفيّ، احد مشاهير الشيعة في الكوفة... كان من اصحاب امير المؤمنين عليٍّ عليه السلام.
بقي جنادة علي منهاج آل البيت النبويّ الشريف، يواليهم... ويناصرهم. حتّي اذا نهض مسلم بن عقيلٍ رضوان الله عليه في الكوفة، كان جنادة معه ومن مؤيديه، فلمّا راي الخذلان من اهل الكوفة، خرج ملتحقاً بالرّكب الحسينيّ القادم من مكبة... لكن كيف كان ذلك الالتحاق يا تري؟
لمّا استشهد قيس بن مسهر الصيداوي، علي يد الطاغية عبيد الله بن زياد في الكوفة، وقد اشار الي اصحابه قبل انّ الامام الحسين صار بمنطقة "الحاجِر"... خرج اليه: عمرو بن خالد الصّيداوي ومعه مولاه سعد، ومجمّع بن عبد الله العائذي ومعه ابنه عائذ، وجنادة بن الحرث المراديّ،... واتّبعهم غلامٌ لنافعِ بنِ هلال الجمليّ بفرسه المدعوّ ب (الكامل)، فجنّبوه، واخذوا دليلاً لهم يدعي (الطِّرِمّاح بنَ عَديّ الطائيّ)... كان هذا الليلُ قد قدم الي الكوفة يمتاز منها لاهله طعاماً، فخرج بهم علي طريقٍ متنكّبة وسار سيراً عنيفاً خوف الاعداء... وقد كان في علم هؤلاء انّ الطريق مرصودٌ بالعيون، فالاجواء تنتابها حالة ٌ من الترقّب والحذر والتربّص.
حتّي اذا قاربوا الموضع الذي كان يسير فيه ابو عبد الله الحسين عليه السلام، حدا بهم الطرماح بن عديٍّ ناشداً:
يا ناقتي لا تذعري من زجري
وشمّري قبل طلوع الفجر
بخير ركبانٍ وخير سفر
حتّي تحلّي بكريمٍِ النّجرِ
الماجد الحرّ رحيب الصدر
اتي به الله لخير امر
وفي رواية اخري يقول ذاكراً ركب الحسين عليه السلام:
وامضي بنا قبل الطلوع الفجر
بخير ركبانٍ وخير سفر
السادة البيض الوجوه الزّهر
الطاعنين بالرّماح السّمر
الضاربين بالسّيوف التبر....
ثم يقول داعياً متوجهاً بخطابه الي الله تبارك وتعالي:
يا مالك النّفع معاً والضّر
ايّد حسيناً سيّدي بالنّصر
علي الطّغاة من بغايا الكفر
علي اللّعينين سليلي صخر
يزيد لا زال حليف الخمر...
انتهت القافلة الصغيرة الر مرادها في منطقة (عذيب الهجانات)، فسلّموا علي الامام الحسين، وانشدوه الابيات السابقة، فقال عليه السلام لهم: «امَ والله، انّي لارجو ان يكون خيراً ما اراد الله بنا... قُتِلْنا، او ظَفِرْنا».
ثمّ سالهم عن راي الناس، فاخبروه انّ قلوبَ سائرِ الناس معه، وسيوفهم عليك. وكان جيش الحر الرياحي قد اراد اعتراض هؤلاء النّفر القادمين من الكوفة، معترضين عليهم انّهم لم ياتوا مع الامام الحسين عليه السلام، حتّي قال الحر: انا حابسهم، او رادّهم.
فقال له الحسين عليه السلام مدافعاً عنهم: لامنعنهم مما امنع منه نفسي، انّما هؤلاء انصاري واعواني... هم اصحابي، وهم بمنزلة من جاء معي، فان تمّمت علي ما كان بيني وبينك، والّا ناجزتك! اي قاتلتك.
فكفِّ الحرّ عنهم، وهم: عمرو بن خالد الصّيداوي ومولاه سعد، ومجمع بن عبد الله العائذي ّ وابنه حائذ، وجنادة بن الحرث.
وفي رواية ِ ابي مِخْنَفْ انّ الحسين عليه السلام قال للحرّ: ألم تكن عاهدتني الّا تتعرّض لاحدٍ من اصحابي؟! فان كنت علي ما بيني وبينك، والّا نازلتك في ميدان الحرب! فكفّ عنهم الحرّ، ثم انّ الحسين سلام الله عليه استقبلهم.
ولمبا كان يوم عاشوراء، واحتدم القتال... شدّ هؤلاء الاربعة: عمرو بن خالد الصّيداويّ، ومولاه سعد، ومجمّع العائذي، وجنادة بن الحرث... متقدّمين باسيافهم في اوّل القتال، فلمّا توغّلوا في الاعداء تعطّف عليهم القوم، فقاتل اولئك الاربعة في مكانٍ واحد، وقد حوصروا بين المئات، ثمّ اخذ عسكر عمرِ بن سعدٍ يحوزونهم... حتّي ابعدوهم وقطعوهم عن اصحاب الامام الحسين عليه السلام، فلمّا نظر ابو عبد الله الحسين ذلك، ندب اخاه العبّاس عليه السلام لينقذهم، فنهد اليهم، وحمل علي الاعداء وحده يضرب فيهم بسيفه قدماً حتّي مزّقهم، وانقذ اولئك الاربعة، فعادوا وقد جرحوا، فلمّا كانوا في اثناء الطريق الي المعسكر المام الحسين عليه السلام والعبّاس يتقدّمهم، التفتوا الي الاعداء فوجدوهم يتبعونهم ويلاحقونهم، وقد تدانوا منهم، يريدون قطع الطريق عليهم مرّةً اخري، فانسلّ اولئك الاربعة اصحاب الشهامة والشجاعة عن طريق عودتهم، وابوا الرجوع، فاقبلوا بسيوفهم يشدّون علي القوم شدّة رجلٍ واحد علي ما كان بهم من الجراح، فقاتلوا حتّي استشهدوا جميعاً في مكانٍ واحد. وعاد ابوالفضل العبّاس عليه السلام وحده فاخبر الحسين عليه السلام بذلك، فترحّم عليهم مكرّراً ذلك.
امّا الامام المهديّ عجّل الله تعالي فرجه الشريف، فقد وجّه اليه سلامه في زيارته الشريفة للشهداء، والّتي يزارون بها في يوم عاشوراء.
وامّا الشعراء، فقد رَثَوه، وكان من ذلك قول السِيّد رضا الهنديّ رحمه الله.
فئةٌ... ان تعاور النقع ليلاً
اطلعوا في سماه شهب الرماح
واذا غنّت السيوف وطافت
اكْؤُسُ الموت... وانتشي كلُّ صاح
باعدوا بين قربهم والمواضي
وجسوم الاعداء والارواح