السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى اولاد الحسين، وعلى اصحاب الحسين.
قال الله تعالى: «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ» (سورة العنكبوت، 69).
يتفرع الجهاد على: مجاهدة العدو الظاهر، ومجاهدة الشيطان، ومجاهدة النفس الامارة بالسوء... وإنما يهدي الله جلّ وعلا الى سبله من كانت مجاهدته عن ايمان بالله، وأئتمار بأوامر الله، وانتهاء عن نواهي الله عزّ وجلّ.
وأما سبل الله تبارك شأنه، فهي الطرق المقربة منه، والهادية اليه تعالى. وإذا كانت نفس المجاهدة من الهداية، كانت الهداية الى السبل هداية على هداية، فتنطبق على مثل قوله تبارك وتعالى: «وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ» (سورة محمد(ص)، 17).
وفي ظل الاية الشريفة: «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا» قال الامام أبو جعفر الباقر عليه السلام: (هذه الاية لآل محمد عليهم السلام ولأشياعهم).
والحسين الشهيد هو احد السبل المباركة الى الله جلّ جلاله وإلى رضوانه، به اهتدى الناس الى الحق والخير والفضيلة، وحسن العاقبة لا سيما من والوه وأطاعوه، وفدوا انفسهم في نصرته، ومنهم الشهيد السعيد سعيد بن عبد الله الحنفيّ، فلنتعرّف على مواقفه.
يقرب مساء عاشوراء... فيجمع الامام الحسين عليه السلام أصحابه ويخطب فيهم، فيكون من كلامه معهم صلوات الله عليه:
(قد أخبرني جدي رسول الله صلى الله عليه وآله بأني سأساق الى العراق، فأنزل أرضا ً يُقال لها (عموراء)، و(كربلاء)، وفيها استشهد، وقد قرب الموعد! ألا وأني اظن يومنا من هؤلاء الاعداء غداً، وإنيّ قد اذنت لكم، فانطلقول جميعا ً في حلٍّ ليس عليكم مني ذمام، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا).
وهنا هاجت نخوة بني هاشم، فأبوا الا الشهادة دون امامهم وسيدهم ابي عبد الله الحسين، وقالوا مقالتهم الغيورة، بدأهم بها ابو الفضل العباس بن عليّ عليهما السلام، ثم تابعه الهاشميون. وقام بعدهم الاصحاب فعرضوا اخلاصهم وفداءهم عاى نحو ٍ من الغيرة والشهامة والاباء... فتكلم مسلم بن عوسجة، ززهير بن القين، وعدد من الاصحاب، فجزاهم الحسين خيراً... وكان ممن قام متكلما ً في ذلك الموقف موقف النُّصرة: سعيد بن عبد الله الحنفيِّ، إذ قال يُخاطب إمامه ويُفدّيه:
والله لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسوله فيك، أما والله لو علمت انيّ أقتل ثم احيا، ثم أحرق حيّا، ثم أُذرى... يُفعل بي ذلك سبعبن مرة، لما فارقتك حتى القي حمامي دونك، وكيف لاافعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة، ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها ابداً.
ويقترب وقت تازوال من ظهيرة عاشوراء... فيقوم سيد شباب اهل الجنة الى الصلاة، فيصلي بمن بقي من أصحابه صلاة الخوف، كما امر الله تبارك وتعالى في قوله عزّ من قائل:
«وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ...» (سورة النساء، 102).
وتقدم امام سيد الشهداء ابي عبد الله الحسين عليه السلام: زهير بن القين، وسعيد بن عبد الله الحنفي... وكان لسعيد هذا موقفه الشهم الغيور، حيث جعل نفسه الطيبة درعاً وترساً لإمامه يصدّ به عنه ما يرد من سهام الاعداء الغدرة:
بابي من شروا لقاء حسين
بفراق النفوس والارواح ِ
وقفوا يدرأون سمر العوالي
عنه والنبل وقفة الاشباح
فوقوه بيض الظبى بالنحور
البيض... والنبل بالوجوه الصباح ِ
ادركوا بالحسين اكبر عيدٍ
فغدوا في منى الطفوف اضاحي
قال أبو مخنف في (مقتل الحسين): لما صلى الحسين عليه السلام الظهر صلاة الخوف، اقتتلوا بعد الظهر فاشتد القتال، ولما قرب الاعداء من الحسين وهو قائم بمكانه، تقدم سعيد الحنفي أمام الحسين، فأصبح هدفا ً لمرمى الاعداء يُصيبونه رشقاً بالنبال من اليمين ومن الشمال، وسعيد قائم بين يدي الحسين عليه السلام يقيه السهام: طوراً بوجهه، وطوراً بصدره، وطوراً بيده، وطوراً بجبينه... فلم يكد يصل الى الامام الحسين عليه السلام سهم.
ولما أُثخن سعيد بالجراح... هوى الى الارض وهو يقول يدعو على الاعداء: اللهم العنهم لعن عاد وثمود، وابلغ نبيك منيّ السلام، وابلغه ما لقيت من الم الجراح؛ فإني اردت بذلك ثواباً في نصرة ذرية نبيك صلى الله عليه وآله.
ثم التفت سعيد الى الامام الحسين يسأله: أوفيت يا بن رسول الله؟
فأجابه عليه السلام: نعم، أنت أمامي في الجنة. ثم قضي سعيد بن عبد الله الحنفيّ نحبه، واضت روحه الطيبة رضوان الله عليه وقد وُجد في بدنه ثلاثة عشر سهما ً، وفيه يقول الشاعر يرثيه:
سعيد بن عبد الله لا تنسينَّهُ
ولا الحُرَّ إذا آسى زهيرا على قسر ِ
فلو وقفت صمم الجبال مكانهم
لمارتْ على سهل ودُكتْ على وعر
فمن قائم يستعرض النبل وجهه
ومن مُقدم يلقى الاسنة بالصدر ِ
ويحظى سعيد بن عبد الله الحنفيّ رضوان الله عليه بذلك الشرف الاسمى، حيث يُستشهد دفاعا ً عن حجة الله وبين يديه، بعد أن يُفديه بنفسه حين صدّ بوجهه وبدنه ويديه كلَّ ما يرد من العدوّ من سوء، يمنع بذلك ان يصيب إمامه شيء من ذلك.
ويتعاقب المزيد من الشرف على هذا الشهيد، فيُدفن عند سيد الشهداء صلوات الله عليه في جملة شهداء كربلاء، فيقف على قبره وليّ الله الامام المهدي المنتظر صلوات ربنا عليه فيخصُّه بسلامه الشريف في ضمن زيارته للشهداء، ويؤبنه قائلاً:
«السلام على سعيد بن عبد الله الحنفيّ، القائل للحسين - وقد أذن له في الانصراف-: لا والله لا نُخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسول الله صلى الله عليه وآله فيك، والله لو أعلم أنيّ أُقتل ثم أُحيا، ثمّ أحرقُ ثم أُذرى، ويُفعل ذلك بي سبعين مرةً ما فارقتك حتى القى حمامي دونك... فلقد لقيت حمامك، وواسي امامك ولقيت من الله الكرامة في دار المقام، حشرنا الله معكم في المستشهدين، ورزقنا مرافقتكم في أعلى علييّن».