«السلام على الحسين بن عليّ الشهيد، السلام على عليّ بن الحسين الشهيد، السلام على العباس بن أمير المؤمنين الشهيد، السلام على الشهداء من ولد أمير المؤمنين، السلام على الشهداء من ولد الحسن، السلام على الشهداء من وُلد ِ الحسين، السلام على الشهداء من ولد جعفر وعقيل، السلام على كل مستشهد معهم من المؤمنين».
كلنا تلونا، او استمعنا الى زيارة عاشوراء الشريفة، وهي مروية عن الامام ابي جعفر محمد الباقر عليه السلام، وقد جاءت في هذه العبارة الزاكية دعاءً واقعا ً في قلب كل موال ٍ ومحبّ: «اللهم أجعلني عندك وجيهاً بالحسين عليه السلام». ذلك أن من تكريم الله جلّ وعلا لحبيبه أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه أنْ خصّه بأن جعل الدعاء مستجابا ً تحت قبته، والشفاء في زاكي تربته، والامامة الالهية ممتدة من ذريته.. ثم أكرمه بكرامات وفيرة، كان منها أنْ جعل الوجاهة في محبيه ومواليه، والمخلصين في محبته وطاعته, والبارّين بولايته... والحسين سلام الله عليه هو القائل في خطبة ٍ شريفة ٍ له: «فأني لا أعلم اصحابا ً أوفى ولا خيرا ً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرَّ وأوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عنّي خيراً».
فكان حقاً على الله عزوجلّ أن يكتب لهم وجاهة الدنيا والاخرة، وكرامتيها، وكيف لا وقد انضموا الى وليّ الله متشرفين بخدمته، وملبين لدعوته، ومسارعين في طاعته، لا الى أمر دنيوي تحتمل فيه غنائم وأنتصارات، بل الى أمر أخروي فيه فداء وقتل ذريع وتضحيات، فكان لهم الشرف الرفيع والوجاهة الكبرى، لأنهم سعوا الى الانوار الحسينية المقدسة، فكانت شهادتهم من أعلى الشهادات لأنها بين يدي سيد الشهداء، هو الذي دعاهم فلبوا، وهو الذي أذن لهم فهبّوا، وهو الذي مضى اليهم ووقف على اجسادهم المقطعة فحزن قلبه القدسي عليهم، وترحم عليهم وترضّى لهم وأبنهم, وكان يقرأ عليهم قول الحق تبارك وتعالى: «فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً».
وكان يقول كلما أوتي بشهيد: (قتلة مثل قتلة النبيين، وآل النبيين).
تلك كرامة كبرى أن ينتمي العبد الى الامام الحسين عليه السلام، وأن يكون من أصحابه الاوفياء، ثم من المضحين الشهداء، وأين؟! في بقعة القدس كربلاء! وما أدرانا ما كربلاء! فقد كفاها شرفا ً أنها استقبلت الحسين وضمته في حناياها، وشمخت به حرماً مهيباً وقباباً علياء فاخرة.
جاء عن الامام الصادق عليه السلام قوله: «إنّ أرض الكعبة قالت: من مثلي وقد بُني بيت الله على ظهري؟! يأتيني الناس من كل فج عميق، وجُعلت حَرَمَ الله. وأمنه!
فأوحى الله تعالى اليها أن: كُفّي وقَرّي، فوعزّتي وجلالي، ما فضل ما فُضلت به فيما أعطيت به أرض كربلاء، إلا ّ بمنزلة الابرة غُرست في البحر... فحملت من ماء البحر، ولولا تربة كربلاء مافضلتك، ولولا من تضمنته أرض كربلاء لما خلقتك ولا خلقت البيت الذي به افتخرت، فقرّي.. واستقري، وكوني دَنياً، متواضعا ً ذليلاً.
تلك كربلاء وقد افتخرت بسيد الشهداء سيد شباب اهل الجنّة، أبي عبد الله الحسين سبط النبي، وريحانته، فكان لها الشرف الاسمى، وقد نال منه أصحاب الحسين إذ حلوا في كربلاء على طاعة عظمى، وقُتلوا عليها شهداء مخلصين، ودفنوا الى جنب الامام الحسين صلوات الله عليه، وأصبحوا محطّ نزول الانوار، ومهبط الملائكة الاخيار، ومحل صعود الصلوات، وعروج الزيارات... حيث يفد عليهم المئات والالاف كل يوم، بل والملايين في المواسم الخاصة، يقف الناس عند ضريحهم الطاهر محيّين ومسّلمين عليهم، وزائرين لأجسادهم وأرواحهم، وتلك كرامة فخورة، وتلك وجاهة نادرة، لم تكن الا بالحسين، وزائروه لا ينفكّون يتلون كلّ يوم هذه العبارات المباركة في زيارتهم لأبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه: «السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره والوتر الموتور، السلام عليك وعلى الارواح التي حلت بفنائك، وأناخت برحلك، عليكم منّي جميعا ً سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار».
ويتلون مئة مرة ٍ هذا السلام الشريف: «السلام عليك يا ابا عبد الله، وعلى الارواح التي حلت بفنائك، عليك مني سلام الله ابدا ً ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم. السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين».
ثم يختتمون زيارتهم هذه بسجدة يقولون فيها: «اللهم لك الحمد حمد الشاكرين لك على مصابهم، الحمد لله على عظيم رزيتي. اللهم ارزقني شفاعة يوم الورود، وثبّت لي قدم صدق ٍ عندك مع الحسين، وأصحاب الحسين، الذين بذلوا مُهجهم دون الحسين.. عليه السلام».