السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره، والوتر الموتور، السلام عليك وعلى الارواح التي حلتْ بفنائك، عليكم مني جميعاً سلام الله أبدا ً مابقيت وبقي الليل والنهار.
يا ابن النبي... كم احتملت فجائعا ً
من أمّةٍ ضلت سبيل نجاتها
لكن يومك دونه الايام... كم
فاقت فجائعه على فجاعتها
لله صحبك إذ وقوك بأنفس ٍ
بذلوا لنصرك في الوغى
مهجاتها خلعت قلوبهم الحياة وأقبلوا
يتهافتون على ورود مماتها
من خصائص اصحاب الامام الحسين عليه السلام وعليهم، أنهم جمعوا الى المعرفة غَيرة، والى الايمان تقوى، والى العبادة جهادا ً، فلم يفصلوا بين هذا وذاك، إذ الكلُّ يصبُّ في طاعة الله ومرضاته.
كتب الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في مؤلفه (ينابيع المودة لذوي القربى) نقلاً عن بعض المقاتل: ثم في الليلة (التاسعة) من المحرم، كان لاصحاب الحسين دويُّ كدويّ النحل من الصلاة والتلاوة.
فيما كتب السيد ابن طاووس في (الملهوف على قتلى الطفوف): وبات الحسين عليه السلام وأصحابه تلك الليلة ولهم دوي كدويّ النحل، ما بين راكع وساجد، وقائم وقاعد، فعبر اليهم (اي انضم اليهم في تلك اللية من عسكر ابن سعد اثنان وثلاثون رجلا ً).
فقد كانوا على نهج سيدهم ابي عبد الله الحسين صلوات الله عليه وسجيّته، في كثرة عباداته، فما يعود الى فسطاطه الا ّ ويقوم ليلته كلها يُصلي ويتضرع ويُناجي ربه سبحانه وتعالى، ويستغرق في بحار العبادة والعبودية لله جلّ وعلا، وبين الحين والاخر يخرج ليتابع إعداده لأصحابه، ويدخل أحيانا الى خيمة الاطفال والحيارى
ليُهدّئ روعهم.
ويبلغ أصحاب الامام الحسين من وعيهم ويقظتهم وتَوجُّههم، وحسن اقتدائهم بائمة الحق أئمتهم، أن يراقبوا عباداتهم، فلا تفوتهم الصلاة في وقت من الاوقات؛ فإذا اشتد الامر وأطبق جيش الاعداء آلافا ً مؤلفة ً أحدقت بهم، وهم قلة قليلة، كان من أصحاب الامام الحسين عليه السام صلاة الخوف، حسب الاستطاعة أداء ً للتكليف الالهي، كما هو الجهاد تكليف الهيّ.
كتب الشيخ القندوزي الحنفي في (ينابيع المودة): ثم قال ابو ثمامة الصيداوي للحسين: يا سيّدي، صلِّ بنا صلاة الظهر والعصر؛ فإنا نراها آخر صلاة نصليها معك، فلعلنا نلقى الله على اداء فريضته. (وكان ذلك ظهيرة يوم عاشوراء)
فأذّنَ الصيداوي وأقام، فقاموا في الصلاة، وقوم عمر بن سعد يرشقونهم بالسهام من بعيد، فقال لهم الحسين: «يا ويلكم! ألا تقفون عن الحرب حتى نصلي!»، فلم يُجبه احد الا الحصين بن نمير قائلا ً: يا حسين، ان صلاتك لا تُقبل!
فقام اليه حبيب بن مظاهر فأجابه: إذا لم تُقبل صلاة ابن رسول الله، أتُقبل صلاتك ياابن الخّمارة البوّالة على عقبيها!
فيما ذكر المجلسي في (بحار الانوار) أن الصيداوي قال للحسين عليه السلام: يا أبا عبد الله، نفسي لنفسك الفداء، اني أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، لا والله لا تُقتل حتى أ ُقتل دونك، وأ ُحبُّ ان القى الله وقد صليت هذه الصلاة التي دنا وقتها
(وذلك في الزوال ظهرا ً)، فرفع الامام الحسين عليه السلام رأسه الشريف الى السماء وقال له: ذكرت الصلاة، جعلك الله من المصلين الذاكرين، نعم هذا اوّل وقتها... سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي.
فقال الحصين بن نمير: انها لا تُقبل، فقام اليه حبيب ابن مظاهر تلتهب غيرته فقال له: لا تُقبل الصلاة زعمت من ابن رسول الله، وتُقبل منك يا حمار! فحمل عليه حُصين بن نمير، وحمل عليه حبيب فضرب وجه فرسه بالسيف فشبّ بالحصين فرسه ووقع عنه، فاحتوشه أصحابه واستنقذوه، فأمر الحسين عليه السلام زهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفيّ أن يتقدما حتى يصلي، فتقدما امامه يحميانه حتى صلى عليه السلام بأصحابه صلاة الخوف، أي عجّلوا بها كي لا تفوتهم وهم مع الشهادة على موعد قريب.
ويذكر اصحاب المقاتل ان حبيب بن مظاهر رضوان الله عليه في ذلك الموقف قاتل عسكر ابن سعد قتالا ً شديدا ً حتى قتل على كبر سنه اثنين وستين رجلا ً، فحمل عليه بُديل بن صُريم فضربه غدراً بسيفه، وطعنه آخر برمحه، فسقط حبيب الى الارض، فحاول النهوض الا أن الصين بن نمير عاجله بالسيف على رأسه فسقط حبيب لوجهه، ونزل اليه تميمي فاحتز رأسه، فهدّ مقتله الحسين فقال: عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي، واسترجع كثيرا ً.
وقام الامام الحسين للصلاة، فقيل انه صلى بمن بقي من أصحابه صلاة الخوف، ووقف أمامه سعيد بن عبد الله الحنفي يدرأ عنه السهام الغادرة، ويستقبلها وهي تُرشَق نحو الحسين يمينا ً وشمالا ً، وسعيد قائم بين يدي الحسين يقيه: طورا ً بوجهه، وطورا ً بصدره، وطورا ً بيده، وطورا ً بجبينه، فلم يكد يصل الى الحسين شئ من السهام.
ولما أ ُثخن سعيد بالجراح، هوى الى الارض وهو يُتمتم: اللهم العنهم لعن عاد وثمود، وأبلغ نبيك مني السلام، وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح؛ فأني أردت بذلك ثوابك في نُصرة ِ ذرية نبيك. وبعد مناجاته هذه مع الله تعالى... التفت سعيد الى الحسين يسأله وقد فاضت جراحاته: أوفيت يا ابن رسول الله؟
فأجابه عليه السلام: نعم، أنت أمامي في الجنة. ثم قضى نحبه وفاضت نفسه الطيبة رضوان الله عليه.
بأبي من شَروا لقاء حسين ٍ
بفراق النفوس والارواح ِ
وقفوا يدرأون سُمر العوالي
عنه والنبل وقفة الاشباح ِ
فوقوه بيض الضُّبى بالنحور
البيض، والنَّبْلَ بالوجوه الصِّباح ِ
أدركوا بالحسين ِأكبر عيد ٍ
فغَدوا في مِنَى الطفوفِ أضاحي