السلام عليك يا ابا عبد الله، وعلى الارواح التي حلت بفنائك، عليك مني سلام الله ابدا ً ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد منّي لزيارتكم. السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى اولاد الحسين، وعلى اصحاب الحسين.
ودعا صحبه فخفوا اليه
فغدا النسر في اطار البزاة
قال اني لقيت منكم وفاءٍ
وثباتا في الهول والنائبات
حسبكم مالقيتم من عناء
فدعوني فالقوم يبغون ذاتي
وخُذوا عترتي..وهيموا بجنح
الليل فالليلُ درعكم للنجاة
هتفوا يا حسين لسنا لئاما
فنخليك مُفردا ً في الفلاة ِ
فتقول الاجيال: ويل لصحبٍ
خلفوا شيخهم اسير الطغاةِ
سَتَرانا غدا نشرّفُ حدَّ السيف
حتى يذوب في الهبوات ِ
ان عطشنا فليس تعطش اسياف
تعب السخين في المهجات ِ
ليتنا يا حسين نسقط صرعى
ثم تحيا الجسوم في حيواتِ
وسنفديك مرةً بعد أخرى
ونُضحّي دماءنا مرا ّت ِ
اشتدت العزائم معقودة ً نياتها على الفداء، تعلو دعواتها الى النُّصرة والاستنصار والوفاء.. فجمع يزيد بن مسعود بني تميم وبني حنظلة وبني سعد، ودعاهم الى نصرة الامام الحسين عليه السلام، وخفّ حبيب بن مظاهر الى قومه بني اسد فدعاهم الى نصرة الحق، حتى قال لهم: إني اقسم بالله، لا يُقتل احد منكم في سبيل الله، مع ابن بنت رسول الله، صابرا ً محتسبا ً، إلا كان رفيقا ً لمحمدّ ٍ صلى الله عليه وآله في عليين. فوثب اليه رجل يقال له (عبد الله بن بشر) فقال: أنا اول من يجيب الى هذه الدعوة، ثم جعل يرتجز ويقول:
قد علم القوم اذا تواكلوا
وأحجم الفرسان اذا تناقلوا
أني شجاع ُ بطل مقاتل
كأنني ليثُ عرين ٍ باسل ُ
ثم تبادر رجال الحيّ حتى التام منهم تسعون رجلا ً، فأقبلوا يريدون الحسين عليه السلام، الا ّ ان خائنا ً خرج من ذلك الحي الى عمر بن سعد فأخبره، فدعا ابن سعد برجل من أصحابه يُدعى (الازرق) وضمّ اليه اربعمائة فارس ووجه به نحو حيّ بني أسد، فبينما اولئك القوم قد أقبلوا يُريدون الالتحاق بعسكر الحسين، إذ استقبلهم خيول ابن سعد على شاطئ الفرات، فناوش القوم بعضهم بعضا ً، واقتتلوا اقتتالا ً شديدا ً...
فصاح حبيب ابن مظاهر بالازرق: ويلك! مالك وما لنا؟! انصرف عنا ودعنا يشقى بنا غيرُك. فأبى الازرق ان يرجع، حينها علمت بنو اسد أنه لا طاقة لهم بالقوم، فرجعوا الى حيّهم، ورجع حبيب ابن مظاهر الى الحسين فأخبره بما كان وجرى، فقال الحسين: لاحول ولا قوة الا بالله.
وكلما اشتد الامر واقتربت ساعة النزال، واحتد الموقف للقتال.. ارتفعت معنويات أصحاب الحسين عليه السلام، حتى انطوى يوم تاسوعاء، واقبل ليل عاشوراء... فجمع الامام ابو عبد الله الحسين اصحابه الكرام، ثم خطب فيهم، وقيل: جمعهم قرب المساء قبل شهادته بليلة، فقال: أثني على الله أحسن الثناء، وأحمده على السراء والضرّاء. اللهم اني احمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين، وحعلت لنا اسماعا وأبصارا وأفئدة ً ولم تجعلنا من المشركين. أما بعد، فأني لا أعلم أصحاباً أولى ولا خيرا ً من أصحابي، ولا أهل بيت ٍ أبر ولا أوصل من اهل بيتي، فجزاكم الله عني جميعا ً خيراً.
وقد أخبرني جدي رسول الله صلى الله عليه وآله بأني سأ ُساق الى العراق، فأنزل أرضا ً يقال لها (عموراً) و( كربلا)، وفيها أ ُستشْهَد، وقد قرب الموعد. ألا وإني أظنُّ يومنا من هؤلاء الاعداء غدا ً، واني قد أذنت لكم، فانطلقوا جميعا ً في حلٍّ ليس عليكم منّي ذمام، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا، وليأخذ كلُّ رجل ٍ منكم بيد رجلٍ من اهل بيتي. فجزاكم الله خيراً، وتفرّقوا في سوادكم ومدائنكم؛ فان القوم انما يطلبونني، ولو اصابوني لذهلوا عن طلب غيري.
فقال له اخوته وأبناؤه، وبنو أخيه وأبناء عبد الله بن جعفر: لِمَ نفعل ذلك؟ لِنبقى بعدك؟! لا ارانا الله ذلك ابدا. بدأهم بهذا القول ابو الفضل العباس بن عليّ سلام الله عليه، ثم تابعه الهاشميون.
والتفت سيد شباب اهل الجنة عليه السلام الى بني عقيل فقال لهم: حسبكم من القتل بمسلم، أذهبوا قد أذنت لكم.
فقالوا له: لا والله لا نفعل، ولكن نفديك بانفسنا وأموالنا وأهلينا، نقاتل معك حتى نرد موردك، فقبح الله العيش بعدك.
وأما الاصحاب فقد نهض منهم مسلم بن عوسجة فقال: أنحن نخلي عنك؟! وبماذا نعتذر الى الله في أداء حقك؟! أما والله لا أفارقك حتى أطعن في صدورهم برمحي، وأضرب بسيفي ما ثبت قائمه بيدي، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة حتى أموت معك.
وقال سعيد بن عبد الله الحنفي: والله لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسوله فيك، أما والله لو علمت أني أ ُقتل ثم أ ُحيا، ثم أ ُحرق حيّا، ثم أ ُذرى، يُفعل بي ذلك سبعين مرّة ً لما فارقتك، حتى القى حِمامي دونك، وكيف لا افعل ذلك وانما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا!
وتلكم باقي الاصحاب بما يشبه بعضه بعضا، فجزاهم الحسين خيراً:
جاء المسا... فدعاهم: قوموا اذهبوا
فالليل ستر، جهره إخفاتُ
لا يطلب الاعداء غيري فاتركوني
مابكم من بيعتي تبعات ُ
فأجابه الانصار: هذي مِنّة
سبقت لنا، قَلت لها المناتُ
إنا نجاهد دونكم ... وتُقطع
الاعضاء منا فيك والرقباتُ
ثم الرسول شفيعنا يوم الجزا
ولنا بهذا تُرفع الدرجات ُ
أفنحن يوما ً تاركوك وهذه
بك قد أحاطت أذؤب وعداةُ؟
لا كان منا اليوم تركك والذي
قد أحصيت في علمه الذراتُُ