السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين.
عظم الله أجورنا وأجوركم بمصابنا بالامام الحسين وآل الحسين، والخيرة من أصحاب ابي عبد الله الحسين.
الايمان في القلب، وهو يمضي في العقل والنفس، وينعكس في الجوارح، حتى يكون منطقا ً قرآنياً يرتضيه الله تبارك وتعالى، وأقداما الى جانب الحق في وجه الباطل حتى يبارك عليه الله جلّ وعلا، بل يُصبح الايمان موقفا ً مشهودا ً وربما كان لوحة تاريخية ترتسم امام اعين الاجيال، ومشهدا ً مشرفا ً يكسب صاحبه العزة والفخر والسعادة والكرامة... في الدنيا والاخرة.
وقد كان هذا حصل لاصحاب الامام الحسين سلام ربنا عليه، يوم عاهدوه على النصرة فوفوا، وبايعوه على التضحية فأقدموا، وأقسموا عنده أن يُفدّوه فأستشهدوا بين يديه قرابين حق.
ايها الاخوة الاماجد... المواقف هي الحاكمة، وهي المعبرة والمفصحة، من هو الغيور، ومن هو المتخاذل، من كان يطلب الاخرة، ومن كان يعتقد بالمعاد ومن هو في امره على شك وعمى!
يقف برير بن خُضير امام جيش عمر بن سعد فيرفع صوته بالقول: لا أفلح قوم ضيعوا ابن بنت نبيهم! أ ُفٍ لهم! غدا ماذا يلاقون؟! يُنادون بالويل والثبور في نار جهنم !
هذا موقف... وموقف آخر لبرير بن خُضير أيضا ً.. متى؟ في غداة يوم عاشوراء، عند باب فسطاط للامام الحسين عليه السلام،
هذا موقف... وموقف آخر لبرير بن خُضير أيضا ً... متى؟ في غداة يوم عاشوراء، عند باب فسطاط للامام الحسين عليه السلام، إذ أخذ بُرير يضاحك عبد الرحمان بن عبد ربه الانصاري، فتعجب عبد الرحمان من ذلك وقال لبرير: أتضحك؟! ما هذه ساعة باطل. يُريد أننا قريبون من ساعة قتل وقتال، فقال له بُرير: لقد علم قومي انني ما احببت الباطل كهلا ًولاشابا ً، وانما افعل ذلك استبشارا ً بما نصير اليه... فوالله ما هو الا ّ أن نلقى هؤلاء القوم بأسيافنا، نُعالجهم ساعة ً... ثم نعانق الحور العين.
وكان بُرير بن خُضير صادقا ً، أجل: كان صادقا ً بعمله كما كان صادقا بقوله، وكان صادقا بمواقفه كما كان صادقا بلسانه. وتقدم الى ساحة المعركة، وقد انتظر من رأه انه سيقدم امامه سيفه، لكنه كان ذا بصيرة وايمان وهدى ً، فقدم موعظة قبل سيفه: فأستأذن أمامه الحسين صلوات الله عليه في ان يكلم القوم ويذكرهم، فأذن له، فنادى بالقوم: يا معشر الناس، ان الله عزوجلّ بعث محمداً بالحق بشيراً ونذيراً، وداعيا ً الى الله بأذنه وسراجاً منيراً. وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابها، وقد حيل بينه وبين ابنه "اي الحسين".
فقالوا: يا بُرير، لقد اكثرت الكلام فأكفف، فوالله ليعطشنَّ الحسين كما عطش من كان قبله!
وهكذا رأى بُرير رضوان الله عليه ان القوم لا ينفع معهم لسان الموعظة ولا التذكير ولا النصح، فلم يستأذن الحسين بعد ذلك لأن يكلمهم، بل استأذنه هذه المرة لأن يقاتلهم.
إذا كان البعض يرى في القتال هيبة الموت ورعدة الهلاك والقتل، فأن بُرير بن خُضير كان يرى فيه بهجة الشرف وسعادة الشهادة وفخر اللقاء بالله تعالى قادما عليه بدم التضحية بين يدي امام الحق والهدى، وسيد الشهداء ابي عبد الله الحسين صلوات الله وسلامه عليه.
لننصت... ماذا يقول بُرير للامام الحسين، وكيف يكلمه؟!
يقول اليه قبيل الدخول الى شهادة الشهادة: والله يابن رسول الله، لقد من الله بك علينا ان نقاتل بين يديك، فتُقطَّع فيك اعضاؤنا، ثم يكون جدك يوم القيامة شفيعنا.
ينادي رجل اسمه يزيد بن معقل من عسكر ابن سعد: يا بُرير، كيف ترى صُنعه الله فيك؟ يريد انك وأصحابك اصبحتم في طوق حصارنا وقد اقترب الموت منكم، فيجيبه بُرير بقوة ايمانه وعمق يقينه: صنع الله بي خيرا، وصنع يك شراً.
ثم قال له: وانا اشهد انك من الضالين. ثم دعاه بُرير للمباهلة، فتباهلا بلعن الكاذب وهلاكه، وتضاربا بعدها، فضربه بُرير على راسه ضربة ً قدت المِغفر والدماغ معا ً، فخرّ يزيد كأنما هوى من شاهق وقد ثبت سيف بُرير في رأس يزيد، وبينما بُرير يحاول أخراج سيفه إذ حمل عليه ابن منقذ العبدي فأعتنقا واعتركا، فصرعه بُرير، هنا أسرع كعب بن جابر الازديّ ليحمل على برير فصاح به عفيف بن زهير: هذا بُرير بن خُضير الذي كان يقرأنا القرآن في جامع الكوفة!
فلم يلتفت اليه كعب وأسرع بغدره ان طعن ظهر بُرير، ثم ثنّى عليه برمح غادر أخر، وسيف جبان حيث بُرير مشغول بالعبدي، فأستشهد رضوان الله تعالى عليه، فلما عاد كعب الى اهله وبَّخته عليه امرأته النوّار قائلة له: اعنت على ابن فاطمة (اي الحسين)، وقتلت سيد القرّار: (اي بُريرا ً)؟!
لقد جئت شيئا ً عظيما من الامر! والله لا اكلمك من رأسي كلمة واحدة!
فسلام على بُرير في الشهداء، وسلام عليه في الاصحاب الاوفياء، ورحم الله راثيه إذ يقول:
جزى الله رب العالمين مباهلا ً
عن الدين كيما ينهج الحق طالبه
وأزهر من همدان يُلقي بنفسه
على الجمع حيث الجمع تُخشى مواكبه
أبَرَّ على الصيد الكماة بموقف ٍ
مناهجه مسدودة... ومذاهبه
الى ان قضى في الله يُعلم رُمحه
بصدق توخيه ويشهد قاضبه
فقل لصريع قام في غير مارن ٍ:
عَذرتُكَ.. إنّ الليثَ تدمى مخالبُه