السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين، وعلى اصحاب الحسين.
عظم الله اجورنا واجوركم بمصابنا بالامام ابي عبد الله الحسين سيد الشهداء، وسيد شباب اهل الجنة، وريحانة المصطفى(ص).
احسن الله لكم العزاء بذكرى هذا المصاب الجلل، وكتب لكم افضل الثواب على مواستكم لرسول الله وامير المؤمنين وفاطمة الزهراء، وال النبي الكرام، عليه وعليهم افضل الصلاة والسلام.
صحيح ان واقعة كربلاء، كانت واقعة تاريخية، لكنها ايضاً كانت لوحة سماوية، علاها الامام الحسين سلام الله عليه رمزا للعشق الالهي ّ والتضحية والفداء، وتلاه اهل بيته واصحابه رضوان الله تعالى عليهم رمزا للاقتداء.
وصحيح ان معركة طف عاشوراء، كانت التقاء بالسيوف والرماح والنبال، ولكنها في جوهرها كانت صراعاً بين الحق والباطل، والعدل والظلم، بل بين النور والظلام... وصحيح ان يوم الغاظرية استغرق ساعات على بقعة محدودة، لكنه استمر يملا الدنيا زمانا ومكانا بصداه واثره، وخلوده في الضمائر والقلوب، يتلو دروسا، ويحيي نفوسا، وينير عقولاً... والحسين ما زال يسمو وهو الوجيه، ورزق الوجاهة كل من ناصره وعاضده وفداه بنفسه، بل وكل من والاه واشتاق اليه، وتمنى صادقاً نصرته، ودعا من اعماقه وهو يتلو زيارته: «اللهم اجعلني عندك وجيها بالحسين عليه السلام، في الدنيا والاخرة»، وقال مخلصا في سجوده بعد زيارته: «اللهم ارزقني شفاعة الحسين يوم الورود، وثبت لي قدم صدق عندك مع الحسين، واصحاب الحسين، الذين بذلوا مهجهم دون الحسين، عليه السلام».
ان قصة كربلاء رسمت لنا لوحة تزينت بالمثل العليا، يحميها رجل الهي طاهر.
بايعه عليها ثلة مؤمنة شريفة تشربت عقولهم وارواحهم بالعقائد الحقة، وارتوت نفوسهم بالاخلاق الكريمة السامية، وكانت تلك الاخلاق مترشحة عن القيم الدينية والمبادئ الروحية والفطرة الانسانية، ترافقها البصائر الواعية والعواطف الطيبة النبيلة، والنزاعات الشريفة الطاهرة متجهة جميعها نحو الامام المعصوم النزيه، وريث اشرف الخلق، واكرمهم واعزهم على الله تبارك وتعالى... ذالك الداعي الى الحق والفضيلة، والقادم بخير الدنيا والاخرة وسعادتهما، فهوت نحوه الافئدة الطيبة تلبي دعوته الالهية، تريد ان تعرج الى ربها برفقة امامها، بل تريد ان تسبقه الى المنية، تضحية له وبين يديه الطاهرتين، وقد شعرت ان الله جل وعلا كتب على الاوفياء قتلا، فبرزوا الى مضاجعهم، وقد حاولت الدنيا تقييدهم، فافلتهم الشوق، وانهضتهم الغيرة، وانشطهم الايمان، وطار بهم حب الله في افاق الشهادة... اذ قاموا لله مثنى وفرادى ينصرون امامهم:
وتنادبت للذب عنه عصبة
وريثوا المعاني اشيباً وشبابا
من ينتدبهم للكريهة ينتدب
منهم ضراغمة الاسود غضابا
خفوا لدعي الحق حين دعاهم
ورسوا بعرصة كربلاء هضابا
اسدٌ قد اتخذوا الصوارم حلية ً
وتسربلوا حلق الدروع ثيابا
تخذت عيونهم القساطل كحلها
واكفهم فيض النحور خضابا
يتمايلون... كأنما غنى لهم
وقع الظبا، وسقاهم اكوابا
برقت سيوفهم فامطرت الطّلى
بدمائها، والنقعُ ثارَ سحابا وكانهم
مستقبلون كواعبا ً مُستقبلين أسنة ً
وكعابا وجدوا الردى من دون آل محمدٍ
عذبا ً، وبعدهم الحياة عذاباً
ودعاهم داعي القضاء وكلهم
ندْب، إذا الداعي دعاه أجابا
فهووا على عفر التراب... وإنما
ضموُّا هناك الخُرَّدَ الا ترابا
ونأوا عن الاعداءِ وارتحلوا الى
دار النعيم وجاوروا الا حبابا
وتمضي القرون في عُمر الزمن الممتدّ وكربلاء ماثلة في وجه التاريخ، عيونا ً للحق ّ... ولسانا ً للهدى، وقد تجلت المبادئ العليا في ملحمة عاشوراء: تجلت التضحية، وتجلى الوفاء، يومها تكلمت الدماء، وقد شُلت الالسن عن ان تصف.
فنطقت الحقائق، وكانت المواقف هي الحاكمة، فأقبل الشرف يرفع اهل الاخلاص والوفاء، وجاء الخزي يلفّ الناكثين والغدرة واهل الشقاء... وقد سبق ان أبلغ الحسين وقال لهم في انفسهم قولاً بليغاً: «انه من سمع واعيتنا، أو رأى سوادنا، ولم يُجبنا ولم يُغثنا، كان حقا ً على الله عزوجلّ أن يُكبه على منخريه في النار!».