وجاء في رسالة سماحته: السَّلام عليكم أيُّها المؤمنون من زوَّار الأربعين للإمام الحسين عليه السلام، سبط الرَّسول الأعظم صلّى الله عليه وآله، وسيِّد شهداء كربلاء، الذي لم تجتمع تضحياتٌ عظيمةٌ في موقفٍ واحدٍ في سبيل الله مِن أحد كما اجتمعت على يديه، والذي أنقذ الإسلام بتضحياته، وانتشل الأمَّة إلى اليوم من قاضيةٍ على هويَّتها، ومنحدر كان المقدَّر ألّا ينتهي بها إلّا إلى بُعدٍ أشدّ مِن البُعد الشاسع الذي تعيشه اليوم من الإسلام، وحالة مِن التنكّر الواسع والفاحش أقبح وأخسّ مِن حالة التنكّر السّخيف الذي يسيطر على ذهنية الكثير لعقيدته فضلاً عن قِيَمه وأخلاقه وأحكامه ومفاهيمه ونُظمه.
السَّلام عليكم يا أنصار أبي عبدالله في الحاضر، والحاملين لأمانة دين الله، والعاملين على إنقاذ الأمّة من هوّة الضلال، وقبضة الطّغاة، وفتنة التمزّق، وحاكميّة الهوى.
لأنتم أنصار الإمام الحُسين عليه السَّلام، وأنصار القائم عليه السَّلام، وهل أولى لنصرة الإسلام من أنصار الحُسين والقائم عليهما السَّلام؟.
ولا يجتمع أبدًا أنْ يخذل امرئٌ الإسلام، ويكون ناصرًا للحسين والقائم عليهما السَّلام ولا ينصرهما إلا ناصر للإسلام، عاملٌ على إعلاء كلمته، ولا نصرة لهما إلّا ما كانت نُصرة للإسلام، وكل نصرة للإسلام هي نُصرة لهما، وكل نصرة لهما نصرة له.
أنتم يا زوّار الإمام الحُسين عليه السَّلام، تزورونه لثواب الزّيارة، وإحياءً لسُنّة الزّيارَة، ولحَمْل لواء الدَّعوة الإسلاميَّة، وإيصال رسالة كربلاء، رسالة الثّورَة الحسينيَّة الهادية إلى الأمَّة والعالَم.
إنَّ للإمام الحُسين عليه السَّلام كلمةً هي مِحوَر حياته كلّها، ومنطلقه في الحركة والسّكون، والقيام والقعود، والرِّضا والغضَب، والمحبَّة والبُغض، وما قالَ وما فعَل، وما حارَبَ وما هادَن.
إنَّه الإمام الحقّ الذي لايَخذل القرآن، ولا القُرآن يخذله، ولا يُفارقه القرآن ولا القرآن يُفارقه، ولايخطّئُ القرآن، ولا القرآن يُخطِّئُه.
مِحوره وكلمته محوَر القرآن وكلمته وهي كلمة «لاإله إلّا الله» وحدَه لاشريك له. وكلمة التّوحيد بها قامَت السّماوات والأرض ومابينهما، ولا وُجود ولا حَياة إلّا بها، ولاحقَّ ولا عدل بدونها، ولاخيرَ إلّا مِنها، ولا استقامَةَ، ولا نجاة، ولانجاح إلّا من عطائها.
والأمانة الكبرى التي يُحمّلها القرآن الكريم، والإمام الحُسين الناطق به كلَّ مُسلمٍ وكلَّ مُسلمة، ويُحمّلانها الحشود الملايينيَّة المؤمنة التي تحتضنها أرض الطَّف في المحفل الإيمانيّ العظيم في زيارَة الأربعين هذه الأيّام هيَ حمْل لِواء التّوحيد بما ينبثق عنه من حقيقة النبوّة، واليوم الآخر، وإمامة الدِّين وأئمته القائمين بأمره وأمر الدُّنيا حقًّا وصِدقًا ممّن اصطفاهم الله، وأعلن تعيينَهم رسوله.
ولِواء التّوحيد هو اللّواء الذي حمَله الإمام الحُسين عليه السَّلام، واستشهد مِن أجله، ودعوة التّوحيد هي الدَّعوة الوحيدة التي عاش حياته كلّها حاملاً رايتها ومُضحّيًا على طريقها، وداعيًا المؤمنين في كلّ زمان أنْ يحملوها، ولا تكبر أيُّ تضحيةٍ وإنْ عظمت في سبيلها.
وصيَّة الُحسين، دعوة الحُسين، ثورة الحُسين، استشهاد الحُسيْن عليه السَّلام أنْ عيشوا للتّوحيد، واخضَعوا للتّوحيد، أقيموا كلّ بنائكم على التّوحيد، وتوحّدوا تحتَ لواء التّوحيد، وأقيموا حُكم التّوحيد وحكومة التّوحيد، وجاهدوا في سبيل التّوحيد، وضحّوا أكبر التّضحيات واندفعوا على طريق الشّهادة مِن أجل التّوحيد.
والأخذ بشريعةٍ غير شريعة الله ثلمة أيّما ثلمة في التّوحيد، وإقامَة حُكم، وفرض أو اختيار حكومة بما لم يأذن الله به خروجٌ أيّما خروج على التّوحيد، والرِّضا بسُلطانٍ لايرضاه الله مَيْل هائلٌ عن التّوحيد، وتحكيم نهجٍ غير نهج الله في حياة النّاس مُبارَزَةٌ فاضحةٌ في وجه قضيَّة التّوحيد، والتّقصير في مُواجهة الفَساد في الأرض والحُكم بالظُّلم إهمالٌ شديدٌ واستخفافٌ بمقتضى كلمة التوحيد.
قضيَّة أنْ يكونَ الإسلام أبدًا، وألّا تكونَ جاهليَّة على الإطلاق، أنْ يكون الإسلام في كلّ مكان، ولاتكون الجاهليّة في شبرٍ واحدٍ مِن الأرض، مِن أينَ جاءت هذه الجاهليَّة وأينَ استقرَّت أو حاولَت الاستقرار، هيَ قضيَّة الحُسين الذي يدعو إليها، واستشهد مِن أجلها، ويحمّل المؤمنين مِن موقع إمامته الإلهيَّة أنْ يقوموا بأداء مسؤوليتها، وإعطائها حقّها العظيم مِن الجهاد والبَذْل والتّضحيات وأن تكونَ قضيّتهم قضيّته؛ وهيَ أنْ يكونَ الإسلام، ولايكون غيره، أنْ ينتصر الإسلام، ولا ينتصر عليه، أنْ تعزّ أمّة الإسلام ولا تذل، أنْ يُعبد الله وحده، ولا يُعبَد مُستكبرٌ وطاغوت.
رِضا الإمام الحسين عليه السَّلام ألّا يتقدَّم هَمٌّ عند المؤمنين على الهمّ الإسلامي، ولا يرقى هدفٌ في حياتهم على هدف الإسلام، ويقومَ باطلٌ في الأرض ما استطاعوا ولايغيبَ حقّ.
و زيارَة الإمام الحُسين عليه السَّلام نفسها أسلوب تحيا به نفس زائره بالإسلام وتزداد روحه تألّقًا بنوره، يشدّه للإسلام شدّا ويضع إرادته على طريقه بقوّة.
والزّيارة الحاشدة كما هي زيارة الأربعين فرصةٌ كريمة واسعة والرَّصيد فيها ضخم، والأفق مفتوح لإسماع نداء الإسلام، نداء الحُسيْن لكلّ الأمَّة والعالَم أي نداء وارث الأنبياء الذي يمثّل ندائهم عبر التّاريخ كلّه نداء أنْ هلمّوا لله، وانفروا مِن الطّغاة والظّالمين والمُفسدين، ومصّاصي دماء العالَم.
أيّها المؤمنون الزّائرون لأبي عبدالله عليه السَّلام المُعلّم للحريَّة وتقوى الله والجهاد القويم ليكن إحياؤكم لذكراه في هدفه ومضمونه وطريقته، ومظهره ومخبره تجسيدًا لما كانَ عليه هدف الثّورة عند الحُسين عليه السَّلام، وجنس مضمونها وماكانت عليه من دقّة في الشّرعيّة، مِن صدقٍ وطُهر، وصِدقٍ وإخلاصٍ لله في المَظهَر والمَخبَر.
لاتنسوا يا زائري الإمام المعصوم أنْ تأخذوا من سماء إمامة الحُسين، وسماء ثورته الإلهيَّة الصّادقة لكم ولأهليكم وأوطانكم تُحَفَ إيمانٍ ونورٍ وإباءٍ وكرامة وعِلم ووعي وبصيرة، وقوَّة في إرادة الخَيْر وصلابة وشدَّة في ذات الله، وشجاعة لاتهاب الباطل، وإقدامٍ يفتَح المُغلقات، وهمَّة تكبر على الصّعاب. وعند الحُسين مزيد، وعند الحُسين مزيد.
ويومَ تَغنى نفوسنا بزادٍ مِن هذا الزّاد، ويوم تضيء بنور مِن هذا النّور، ونضع الخطو موضع خطو الحسين عليه السَّلام سنجد أنفسنا الأمَّة الجديدة القويَّة المثال في كمالها التي تهابها الأمم وتحتاجها الأمم، ويتلاشى فيها وزن الطّغاة ويتساقطون تساقط أوراق الخريف وأكثر مِن ذلك. سنجد أنفسنا أمَّةً وقد عزَّ فيها الحقّ، وذلّ الباطل، وعظم المُستضعَفون وصغر المُستكبرون بما دانَت بهِ طاعة الله العزيز الجبّار، وخرجت مِن ذلّ طاعة العبيد الذين لايرضى الله لهم طاعة.