عجيب امر هذا السيد ما اشد بلادة احساسه الا يكف عن زيارتنا الم يشعر الاعراض عنه؟! كم من مرة تعمدت اظهار عدم رغبتي في زيارته لنا الم يكفه اني لم ارد ولا على زيارة واحدة من زياراته الاسبوعية المتصلة دونما انقطاع منذ سنين تداعت هذه الاسئلة وهذه العبارات الجارحة في ذهنه وهو يسير بصمت وبخطوات ثقيلة مع ضيفه العنيد في الفاصلة القصيرة بين البوابة الرئيسة للمنزل وبين داخله.
كعادته لم يرحب بضيفه بل لم يخف استثقاله له وتجنب حتى النظر اليه فيما كان الضيف ينظر اليه نظرات ملؤها المودة لمضيفه المعرض عنه وهو يتأمل قسمات وجهه والخطوط العميقة التي تنبأ عن ان صاحبها قد تجاوز السبعين رغم انه لم يبلغ الستين بعد لم يرافق الرجل ضيفه الى داخل منزله بل انشغل عنه نفسه بالنظر الى اشجار حديقة منزله بعدما راى زوجته خارجة تستقبل ابن اخيها، جلس على كرسيه الذي اعتاد منذ سنين الجلوس عليه بين اشجار حديقته في الكثير من ساعات الايام الشتوية والليالي الصيفية يطيل النظر الى تلك الاشجار التي صار يحفظ خطوطها وغصونها افضل مما يعرف خطوط وتقاسيم وجوه اولاده، ما اقل وفائهم وما اشد عقوقهم لقد نسونا مثلما نسانا الكثيرون ولكنهم اولادنا وما كان ينبغي لهم ان يغفلون عن زيارتنا كل هذه المدة قال ذلك في نفسه بالم شديد ثم كرر مرة اخرى في نفسه ما قاله اصراراً بدافع الشفقة الفطرية الابوية.
لا شك بانها مشاغل الحياة وليس العقوق وعدم الوفاء هي التي تصدهم عن زيارتنا هكذا اعتاد الاعتذار لهم في كل مرة ولكنه هذه المرة صرخ في اعماقه صرخة مؤلمة، كلا لا عذر لهم فمشاغل هذا السيد اكثر من مشاغلهم ومع ذلك لم ينقطع عن زيارتنا منذ سنين يتفقد عمته واحوالنا لماذا اعرضوا عنا وجعلوه يشفق علينا الى هذه الدرجة.
عاد بذاكرته الى سنين عدة خلت عندما كان هذا السيد الشاب يأتي بصحبة والده ووالدته لزيارتهم اجل لقد تعلم ذلك من ابيه وتابع بعده هذه الزيارات التي لم يقطعها رغم اعراضي وصدودي عنه.
لماذا لا ينفتح قلبي له على رغم شدة وفائه لنا وهو الوفاء الذي لم نجده في اولادنا انقدح هذا السؤال في ذهنه وسرح معه بحثاً عن الاجابة فظهر امامه ذاك الجدار الرهيب الذي يفصله عن هذا الشاب فالسيد رجل دين مرموق في البلدة تحمل على صغر سنه مسؤوليات والده المرحوم الدينية كابرز علماء بلدته والرجل على الطرف الاخر بالكامل فقد تشرب بالافكار الشيوعية منذ صغر سنه ايضاً فغلفت قلبه بسحابة قاتمة من النفرة الشديدة تجاه الدين ورجاله فكيف يمكن ان ينفتح قلبه لهذا السيد وهو من رجال الدين المتحمسين، كلا ان هذه النفرة والكراهية سبقت ذلك حملتها قبل ان اتوجه للشيوعية، ولا زالت باقية رغم اضمحلال الشيوعية في نفسي قال الرجل ذلك في نفسه وهو يرد على ما خطر في ذهنه من ارتباط نفرته من هذا السيد بتاثيره بالشيوعية وانضوائه تحت لوائها شطراً طويلاً من عمره، لقد نشأ الرجل في عائلة دينية معروفة لم تستطع ان تعرض على ولدها وهو صغير صورة الرحمة الشاملة في الالتزامات الدينية ففتح عينيه على القيود المتزمتة التي فرضتها عائلته.
هل يا ترى ستفتح الحوادث اللاحقة قلب هذا الرجل لضيفه الشاب ام ان جدار الكراهية سيبقى يحجبه عنه ولكن قبل ذلك ما الذي اوجد هذا الجدار في قلب هذا الشيخ تجاه الشاب وتجاه الدين الاجابات على هذه الاسئلة وغيرها نجدها في القسم الثاني من هذه القصة ياتيكم في مثل هذا الوقت بعد اربع وعشرين ساعة.
*******