اذعن الرجل لقول عقله وادرك الخطأ الذي وقع فيه لكنه تفجر ثانية وصرخ بعقله لعن الله هذا الغضب الذي ساقني الى هذا الغضب الذي ساقني الى هذا الظلم لماذا خلقه الله فينا قال ذلك بغضب ايضاً فاجأبه عقله استغفر الله مما تقول ان قوة الغضب نعمة كسائر النعم التي تفضل الله بها علينا ليفتح لنا بها طريق التكامل وبناء الشخصية الربانية السليمة فلولا الغضب على الظلم من كان سيسعى لمكافحة الظلم في داخله او خارجه ولولا الغضب لله وللقيم الحقة من كان سيأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ولولا هذا الغضب المقدس من كان سيبذل وسعه لردع الذين ينتهكون الحرمات ويظلمون العباد؟ الم تسمع وصف علي عليه السلام الجيش خيرة اصحاب المهدي الموعود عجل الله فرجه وانصاره بانه جيش الغضب، فهذا الغضب المقدس على الظلم والعدوان هو الوقود الذي يدفعهم لمؤازرة امامهم في مهمته الاصلاحية الكبرى، ان الغضب الذي دفعك لضرب ابنك هو نفسه الذي يدفعك الان للسعي لتدارك الظلم الذي ارتكبته بحقه.
استغفر الرجل ربه الكريم جل وعلا مما قال ثم تساءل ما الذي يجب ان افعله لتدارك الخطأ او الظلم الذي ارتكبته بحق طفلي البريء، انقدح هذا السؤال في ذهنه، فبادرت نفسه لتقديم اجابتها قبل ان يسبقها منافسها العقل قالت له: لا حاجة لفعل شيء انه ابنك على كل حال، وهو صغير فاذا كبر نسي ما جرى، وحقك عليه اكبر، فانت الذي تتعب من اجله وتوفر له كل ما يحتاج، ثم ما الذي تريد ان تفعله؟ هل تريد ان تتعذر منه؟ حذار من ذلك فاذا فعلت ذهبت هيبتك من عينه ولن يطيعك بعدها ابداً.
انس الرجل بهذا القول وخفت اثار غضبته وانساق له قبل ان ينبري عقله لانقاذه فقطع عليه استئناسه بما سولت له نفسه قائلاً، بل حذار يا رجب من ان تترك اثر هذا الظلم يستفحل في روح طفلك العزيز فيعتاد على ارتكاب الظلم بحق الآخرين دون ان يكفر بتداركه فاذا استفحل في نفسه لم يرتدع عن ظلم حتى لو كان بحق اقرب الناس اليه، بل وحتى لو كان بحقك، فانه سيتعلم ان يظلم دون ان يتدارك تماماً كما فعلت انت الان بحقه، الم تسمع هداية آل محمد صلى الله عليه وآله وهي تأمرنا باتقاء ظلم من لا يجد علينا ناصراً فما اشد انطباقه على حالتك مع ابنك الذي وكلك امره!
استجاب الرجل للهداية المحمدية التي نبهه اليها عقله، فسأله معترضاً ولكن هل تطلب مني ان اعتذر منه فيتجرأ عليّ حينئذ ولا يطيع لي بعدها امراً.
قال له عقله: تلك من تسويلات نفسك تحرضك على العزة بالاثم بل انك ان بادرت للاعتذار منه، علمته درساً في الاعتذار من الخطأ يؤهله للتعود على الاستغفار والتوبة من المعاصي اذا كبر وعلمته كراهية الظلم ولزوم تداركه في كل حال، ونفيت عن نفسه اللطيفة اثر ظلمك له، وعندها يزداد لك حباً اذ فطرته كارهة للظلم والحب هو مفتاح الطاعة اليس ان المحب لمن يحب مطيع.
قام الرجل ليغادر غرفته متوجهاً الى غرفة طفله وهو يحس انوار الامل محدقة به.
ترى هل سيستجيب رشيد لحكم عقله ويغير تعامله مع ولده؟ ام ان نفسه ستدخل له من منفذ آخر لتصده من ذلك؟ هل سيذعن لهداية العقل في الاعتذار من ولده البريء ام ستأخذه العزة بالاثم استجابة لتسويلات نفسه؟
ان رغبتم في التعرف على اجوبة هذه التساؤلات وعاقبة الصراع بين نفس رشيد وعقله فكونوا معنا في الحلقة اللاحقة من برنامج قصص من الحياة.
تركنا رشيد في غرفته وحيداً وهو يعيش صراعاً بين نفسه التي سعت لاقناعه بانه لم يخطأ في ضربه ابنه وبين عقله الذي هداه الى ما ارتكبه خطأ لا ريب فيه لنتابع قصة الصراع بين نفس رشيد وبين عقله.
*******