جاء صاحب الكشكول السائح في الارض الى عالم رباني سمع الكثير عنه فصده رغم بعد المسافة ليستفيد منه في علاج مرض سوء الظن الذي عانى منه طويلاً ولما وصل اليه هاله ما رأى، فقد توقع ان يطرق باب صومعة او كوخ صغير يقطن فيه الرجل، فوجده يسكن داراً واسعة وتوقع ان يراه مرتدياً ملابس بالية فوجده يرتدي ملابس حسنة مرتبة فرأى ان الرجل بحاجة الى موعظة ونصيحة تنقله مما هو فيه الى الصورة التي رسمها له هو أي صاحب الكشكول فنسي صاحب الكشكول ما جاء لاجله واخذ يعظ الرجل بما عرفه هو من مظاهر الزهد، فلنتابع معاً ما جرى بعد ذلك.
التزم الرجل الصمت وهو يستمع لنصائح صاحب الكشكول وهو يؤنبه على ما هو فيه فلم يعترض عليه ولا بكلمة حتى بعد ان انتهى من كلامه، فاكتفى بعد حين بان قال له: حسناً ما الذي ينبغي له ان افعله؟
اجابه صاحب الكشكول وقد احاطه هذا الاستسلام السريع لنصائحه بمفاجأة ثانية ادعوك الى ان تتحلى عن كل ما انت فيه وتخرج معي بمثل ملابسي وهيئتي لنسيح في الارض حتى تعيش حياة الزهد، فاعلن الرجل استعداده للعمل بهذه النصيحة وقام من فوره لذلك.
بعد دقائق معدودة عاد الرجل وهو يرتدي ملابس بالية وخرج مع ضيفه للسياحة في الارض على الاقدام سارا معاً شطراً من النهار والطمأنينة تعلو وجه الرجل فيما الاستغراب لا زال يطفح على ملامح صاحب الكشكول، ثم وقعت المفاجأة الثالثة!!
لقد توقف صاحب الكشكول فجأة وهو يصرخ صرخة الذي فقد اعز ما لديه سأله صاحبه عن سر توقفه فاجأبه: يجب ان نرجع فوراً الى دارك فقد نسيت فيه الكشكول!!
اجابه الرجل بان الدار لم تعد له فقد اوصى قبل خروجه ببيعها وما فيها وتوزيع العائد على الفقراء، وانهما ابتعدا عن البلدة كثيراً فلا يستحق الامر الرجوع اليها من اجل الكشكول ولكن صاحب الكشكول ابى وقال: لا، لا، لا استطيع التحرك بدون هذا الكشكول، فأجابه الرجل ثانية، ان الذي رزقك هذا الكشكول قادر على ان يرزقك مثله فلنواصل طريقنا، ولكن صاحبه ابى وقال: انه عزيز عليَّ فقد رافقني شطراً من عمري ولا اطيق مفارقته!!
يجب ان نرجع، وهنا قال له الرجل ما عرفه بحقيقة الزهد وموطن الداء: عجيب امرك يا صاحبي، لقد طلبت مني مفارقة داري واهل بلدتي وكل ما رأيت من مكانة وحشمة في بلدتي ففعلت ولم يأسرني ولم يتملكني شيء منها وطلبت منك ان نواصل طريقنا وانت ترفض من اجل كشكول زهيد لا تطيق مفارقته وكأن الله لا يقدر على ان يرزقك مثله او خيراً منه!!
ختم العالم حديثه مع صاحب الكشكول بالقول ان الزهد يا صاحبي هو ان لا يتملكك شيئاً وليس ان لا تملك شيئاً، وبواطن الناس يا اخي هي من الغيب الذي لا يعلمه الا الله ومن ارتضاه تعالى لغيبه، فحذار من ان يتملكك شيء حتى لو كان هذا الشيء كشكولاً زهيداً او وهماً خطيراً يدفعك الى اساءة الظن بعباد الله.
اخذت هذه الكلمات مأخذها في قلبه فنزعه عن حب الكشكول واختار رفقة هذا الرجل الجوهرة ليتعلم منه كيف يخلي قلبه لله حقاً وكيف يزهد في كل ما سواه تعالى.
*******