لم يفارق القلق الحاج شيخ الاسلام الشيرازي وهو يؤدي مناسك حجه فقد ترك في سامراء استاذه الامام المجدد محمد حسن الشيرازي مريضاً يستعد لاجراء عملية جراحية في عينه ولذلك فقد غمره الفرح عندما اخبره مستقبلوه بان صحة الامام المجدد جيدة وان العملية قد اجريت له بنجاح ولكن ثمة هاجس محزن كان يرافق الحاج طوال سفره لم يدر ما سره ولكنه عندما زار الامام المجدد وجد في قسمات وجهه ما يزيد من هواجسه القلقة اصر على استاذه ان يخبره بحقيقة الامر لكنه كان يابى ان يجيبه باكثر من الاعراب عن الرضا والتلميح الى ان صحته جيدة حتى طلب منه ذلك بالتماس ورجاء واقسم عليه بجدته الزهراء عليها السلام وكان يعلم ان من الصعب على السيد ان يرد راجياً.
نجح الحاج في مسعاه واستجاب السيد لرجائه لكنه قبل ان يخبره بشيء اشترط عليه ان يقسم بسيدة النساء سلام الله عليها على امر آخر، اقسم بجدتي الزهراء عليها السلام ان لا تتحدث بما ساخبرك عنه احداً ما دمت انا حياً وان لا تخبر احداً يعرف الطبيب الذي عالجني مادام حياً وكان الرجل من الاطباء المؤمنين.
استجاب الحاج خاضعاً لما طلبه السيد فصارحه السيد بحقيقة ما جرى قال له: عندما اجرى الطبيب لي العملية علمت انه اخطأ ولم يكن خطأه مقصوداً ولكن عيني عميت ولم اعد ابصر بها شيئاً فاخفيت ذلك واعتمدت على عيني الاخرى فلو كنت قد صرحت بذلك لسلبت ثقة الناس به ولعل الغضب كان قد جاش ببعضهم فآذوه فاكون بذلك قد عرضت مؤمناً للاهانة وهذا ما لا يرضاه لي ربي فرجحت اظهار رضاي بالعملية التي اجراها ولم اخبره ولا غيره باني فقدت بصري بهذه العين.
كان ما عرفه الحاج درساً بليغاً له من السيد في تحمل نمط غريب من الالم والمشقة حفظاً لكرامة مؤمن وسعياً لرضا الله تعالى ولكن الدرس الابلغ كان فيها جرى بعد ذلك لقد سال الماء من عين السيد الثانية فاصروا عليه ان يعالجها طبيب انجليزي حاذق ورجوه الموافقة فاستجاب لرجائهم بعد طول الالحاح ثم الحوا عليه ان يعالج الطبيب الانجليزي كلتا عينيه فابى هذه المرة بلهجة حازمة قاطعة رغم طول الالحاح ولكن لماذا رفض هذه المرة اجاب السيد لن ارض ان يقال اني عالجت عيني لدى طبيب مسلم فعميت وعالجها طبيب مسيحي فاصلحها ثم عالج الطبيب المسيحي عين السيد الثانية ولكن ساءت حالته الصحية بعد بضعة شهور حتى ظن البعض ان الطبيب تعمد ذلك دخل عليه يوماً طائفة من كبار العلماء وقالوا له: لقد اعتكف جمع من الاخيار في كل المشاهد المشرفة وخاصة في مشهد سيد الشهداء عليه السلام ومسجد الكوفة للدعاء لك بالسلامة ياسيدنا وتصدق غيرهم بالكثير من الاموال طلباً لشفائك ولن يخيب الله امالهم فنحن على يقين بان الله سيشفيك ويبقيك ذخراً للمسلمين قالوا ذلك والامل يتاجج في قلوبهم فماذا كان جواب السيد كان في عالم آخر يرى ما لا يراه الآخرون لقد اكتفى في جوابه بان ناجا ربه (يا من لا ترد حكمته الوسائل).
لقد الهمه الله ان اجله المحتوم قد حان وحان وقت التلبية قلبي بنفس راضية مرضية وكان اخر ما نطق به هو تكرار قوله تعالى «هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ».
صدق السيد الميرزا محمد حسن الشيرازي فيما قاله عندما وصف موقفه النبيل في حفظ كرامة ذاك الطبيب المسلم وتحمله الالم والمشقة في سبيل ذلك بانه نعمة الهية اعظم من نعمة شفاء عينه فمثل هذه النعم الروحانية تسوق لاصحابها من نور البصيرة ما ينير ابصار القلوب بضياء نظرها الى سبحات الجلال والجمال الالهي فيصبحون ممن يناجيهم الله قبل ان يناجوه.
ولكن كيف بلغ السيد هذه المرتبة السامية كان الحاج يفكر في الاجابة على هذا السؤال فاجابه احد زملاء السيد بحادثة كانت له معه هذا العالم الرباني قال: رافقت الميرزا الكبير في سفر له الى شيراز ضمن قافلة وعندما كان يحمل الليل وتركن القافلة للاستراحة كان السيد يختلي في خيمته خاصة به يقضي فيها ساعة وحيداً في الظلام دون ان يستقبل احداً فسألته يوماً: ماذا تفعل يا سيدي في هذه الساعة وحدك؟
اجاب: اصبر حتى نصل الى شيراز وعندها ساخبرك.
ازداد اهتمامي بالامر واشتدت رغبتي في معرفة ما يفعله السيد في تلك الخلوة كنت اتوقع انه يختلي فيها بربه للدعاء او تلاوة القرآن فاردت ان اعرف جلية الامر لاستفيد منه عندما وصلنا مقصدنا اعدت السؤال على السيد فاجاب:
لقد خصصت لنفسي ساعة احاسب فيها نفسي عن اعمال يومي فان فعلت سوء قمت لجبرانه بما استطعت واستغفرت ربي وان كان قد وفقني الله لعمل صالح شكرت الله على هذه العمة فما من نعمة الا منه تبارك وتعالى وكان هذا سر فوز هذا العالم الرباني تعلمه من وصايا اهل بيت النبوة عليهم السلام.
*******