ها هو الاسبوع الاول من الشهر المبارك اوشك ان ينقضي ولم يصلني شيء بعد، ماذا افعل، كان يردد هذا السؤال وامثاله في نفسه مراراً وبحث عن جواب لم يصل اليه، ماذا تراه سيفعل امام هذه الاسئلة، لقد اهتم الرجل في الايام الاخيرة من شهر شعبان من كل عام ان يوصل معونات طائفة من المحسنين الاخيار وكان يقوم بدوره بأيصال هذه المعونات الى المحتاجين اليها من الذين تحسبهم اغنياء من التعفف، كان يعرف عدداً منهم واطلع على سرهم وحفظه حرص على ايصال تلك المعونات لهم دون ان يعرضهم لسؤال او لذل معرفة المحسنين.
لكن شعبان هذا العام انقضى ولم يصله شيء وها قد انقضت من شهر رمضان ايام ولم يصله شيء وهو يعلم ان المتعففين بحاجة الى هذه المعونات بل ولعل حاجة بعضهم في هذا العام اشد فماذا يفعل وهو يعلم ان فيهم من لم يدخل اللحم داره منذ شهور، ماذا يفعل وهو يعلم ان فيهم من لا يعرف اهله طعم الرز الا في شهر رمضان عندما تصلهم تلك المعونات المرتقبة، كان يصعب عليه استذكار حالهم فضلاً عن رؤية بعضهم ولكن ماذا يفعل، انه يجد ان من الصعب ايضاً ان يطلب من اولئك المحسنين ارسال معوناتهم لا، لا، لا استطيع ان اطلب منهم شيئاً، كيف وانا لن اطلب حتى من ابي مصروفي المعتاد او غيره حتى توفي رحمه الله فكيف اطلب من غيره شيئاً.
قال الرجل هذه الكلمات بأصرار بالغ ولكنه فكر مرة اخرى عندما استذكر فرحة اطفال اولئك المحتاجين عندما تصلهم المعونات في هذا الشهر.
انني لم اطلب لنفسي منهم شيئاً انما اخبرهم بحال اولئك المتعففين فما الحرج في ذلك، سائل الرجل نفسه وهو يحاول اقناعها للاتصال ببعض المحسنين الذين اعتادوا مدَّه بتلك المعونات فيكون بأتصالي بهم تذكير لهم، لا اشك انهم سيرسلون المعونات فور اطلاعهم على الامر واشاركهم في الاجر ولكن نفسه لم تقنع بما قال وبقيت متمردة تأبى المطاوعة، اضطربت نفسه لا تفعل لا تفعل لا حاجة للاتصال بأحد، لعل هذا الاتصال يفتح ابواب اساءة الظن بك ويتصور بعضهم ان لك منافع في هذه المعونات غير الاجر، ارجوك لا تفعل.
حمل هذه الحيرة معه الى مرقد بنت الائمة سلام الله عليها مستشفعاً بها في الاستعانة بالله تعالى ليتقنه من الحيرة وهكذا كان دأب المؤمنين فقد ظهر من مرقد هذه العلوية الطاهرة من الكرامات الشيء الكثير الذي ابان لمن له قلب ان لهذه البضعة النبوية عند الله شأناً من الشأن، ان مراقد الائمة والاولياء وابناءهم صلوات الله عليهم هي ولا ريب محال نزول البركات الالهية ومعاذ اللاجئين الى ابواب الله ومما لا شك فيه ايضاً ان لهذه السيدة الزكية فاطمة بنت موسى الكاظم (عليه السلام) مقاماً مرموقاً بين هذه المراقد، زار الرجل مرقد السيد فاطمة المعصومة وشكى حيرته وعرض ما لديه فقال: اما انا فلا اطيق ان اطلب من احد من الناس شيئاً ولا اطيق ان ارى فاقة هؤلاء المتعففين في شهر الله لكني اطيق ان احرم على نفسي اكل الرز طوال هذا الشهر حتى اوصل اليهم ما يحتاجون والامر اليكم.
عندما قال الرجل ما قال وهو ملتصق بالشباك المحيط بمرقد السيدة المحمدية الكريمة وقع نظره على اسماء المعصومين الخمسة اصحاب الكساء منقوشاً على الجدار الداخلي للمرقد وكأن الرقم خمسة دفعه الى قرار جديد، لم آكل من الرز شيئاً حتى تصلني المعونات ودون ان اطلب ذلك من احد، خمسة اطنان من الرز الجيد اصلها الى جميع من اعرف من المحتاجين وتكفيهم جميعاً، قرار غريب في موقف كريم ولكنه هل تراه كذلك.
عندما عاد الى منزله كان عياله ينتظرونه على مائدة الافطار وقد خلت المائدة من غير الرز، اخبر زوجته انه لا يستطيع ان يأكل منه شيئاً وكانت العاقبة ان كان افطاره شيئاً من البيض المقلي، اجل وفى الرجل بما عهد عليه فكان ان رن جهاز الهاتف وكان المتحدث ممن كان من بعيد يطلب من الرجل ان يستفسر له عن بعض شؤون دينه ويطلب الجواب السريع منه قائلاً: ارجوك ان لم تجدني في البيت فأتصل على بيت اخي فأني لم اذهب الى مكان آخر، ارجوك لا تتأخر علي انا في انتظار الجواب، لم يتأخر حصوله على الجواب كثيراً فأتصل بمنزل صاحبه في البلد الآخر فلم يجد فيه احداً، اتصل بمنزل اخيه بما اخبره ولكن لم يجده ايضاً ولم يبق عنده الا رقم ثالث هو رقم هاتف اخته لعله ذهب الى زيارتها، اتصل بمنزل اخت صاحبه فرفع السماعة ابنها ليفاجئه بما لم يكن يتوقعه او يفكر به اصلاً.
سأله شاب ودون اخبار مسبق ولا اتفاق ولا حديث سابق، سأله عن المقدار اللازم من الرز الكافي لتوزيعه على المحتاجين، اجابه الرجل انه خمسة اطنان، فسأله عن قيمتها فأجابه فقال: سأرسل لك حوالة مصرفية فورية بقيمة ثلاثة اطنان منها غداً وسآخذ قيمة المتبقي من اخرين فأبدأ بشراءها وتوزيعها من الغد ولكن هل نسي الرجل غايته من هذا الاتصال اصلاً اي اخبار صاحبه بنتيجة استفساره، كلا لم ينساها ولكنه علم ان من ساقه الى الاتصال بالمنزل الثالث له غاية اخرى واذا شاء اجابت صاحبه فليعاود الاتصال بالمنزلين السابقين فسيجد صاحبه فيهما كما اخبره.
*******