القصة التي اخترناها لهذه الحلقة وقعت في بلدة صغيرة في الجنوب العراقي وبدأت مع وصول حاكم اداري جديد لها الحاكم الجديد شاب توهم في نفسه الكثير من الخير لكن تجربته لم تكن تسمح له بامتلاك ما يدعيه من خيرة ومعرفة ببواطن الاخرين الحاكم الشاب كان يتحلى ولاشك بمرتبة عالية من الشجاعة والقدرة على تحدي الموروث ولكن الحد الفاصل بين بعض الشجاعة وبعض التهور دقيق للغاية وقد وقع الحاكم الشاب في بعض التهور تجاه حاج وجيه ومحترم في البلدة.
واجه الحاكم الشاب هذا الحاج الوقور الذي شارف السبعين بعنف دفعه اليه توهم هو ان الحاج رجل ماكر يسعى لمطامح شخصية ووجاهة اجتماعية في البلدة وهذا هو الوهم في الحقيقة هو التفسير الذي قدمه الحاكم الجديد لشدة اصرار الحاج على السعي في قضاء حوائج اهل البلدة ورفع ظلاماتهم كان يتوسط لاجل ذلك لدى مسؤولى البلدة وكانوا يستجيبون لمساعيه ثقة باخلاصه الا الحاكم الشاب الجديد فقد واجهه مراراً برفض مساعيه وعرقلتها وكان اخرها اهانة وجهها له في غرفته عندما جاءه في مسعى خير لرفع ظلامة قروي ضعيف اصر الحاكم على رفض مسعى الحاج وحذره من تعريض شيبته لمزيد من الاهانة واصر الحاج على انه سيواصل مساعيه ولو كان بتعريض شيبته للاهانه لان الخير كل الخير في السعي في حوائج الناس ومعونة المؤمنين وانقاذ المظلومين، استخف هذه المرة بما توهمه بشأن هذا الحاج قال في نفسه: ان تجارة الرجل مع الله وليس مع الناس وشيبته هي بضاعته في هذه التجارة العجيبة ولكن لماذا يبذل كل هذا السعي من اجل هؤلاء لابد ان في الامر سر ينبغي ان اعرفه لم يطق الصبر عن معرفة السر الذي جعل هذا الرجل يندفع بكل هذه القوة والاصرار في قضاء حوائج الناس فكر فيه طويلاً دون ان يصل الى نتيجة، لماذا لا اذهب اليه مباشرة لاسأله عن سر اندفاعه هذا، لم تطاوعه نفسه بادي الامر فاستكبرت ولكنه طوعها واخضعها لحكم عقله الذي هداه الى ان الخير كل الخير فيما عليه هذا الشيخ الوقور سأل عن عنوان داره فهدوه اليه وذهب اليه بعد سويعات ليعرف سر هذا الخير الذي يصر الرجل على السعي في سبيله، دخل عليه في منزله فرحب به الحاج واستقبله بطريقة تكشف عن انه كان ينتظره، لي حاجة اريد ان تقضيها لي يا حاج فهل انت فاعل قال الحاكم الشاب للحاج فاجابه: على الرحب والسعة يا ولدي قال الحاج وطأطأ رأسه لسماع حاجة المدير فاخبره بما يجول في ذهنه وساله لماذا قلت ان الخير كل الخير في قضاء حوائج الناس؟
فأجابه الشيخ: كنت محباً منذ صغري للعبادة والطاعة ولكني كنت اجد صعوبة في مواجهة ما يصدني عن طاعة الله فطلبت منه تعالى ان يعينني على ذلك فهداني رسوله صلى الله عليه وآله الى ما استجلب به معونة الله على كل اموري فدخلت قلبي كلماته صلى الله عليه وآله ان الله في عون المؤمن مادام المؤمن في عون اخيه المؤمن ومن نفس عن اخيه المؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه سبعين كربة من كرب الآخرة تابع الشيخ حديثه قائلاً: احببت اهل بيت النبي صلى الله عليه واله واحببت ان اكون منهم فوجدتهم باذلين انفسهم في قضاء حوائج الناس فعلمت ان الخير في ذلك اردت الالتحاق بهم فهداني الامام الكاظم عليه السلام الى سبيل ذلك في قوله ان خواتيم اعمالكم قضاء حوائج اخوانكم والاحسان اليهم ما قدرتم والا لم يقبل منكم عمل حنو على اخوانكم وارحموهم تلحقوا بنا.
سعيت للعمل بافضل الاعمال عند الله فهداني الامام الصادق عليه السلام الى احب الاعمال فقال احرصوا على قضاء حوائج المؤمنين وادخال السرور عليهم ودفع المكروه عنهم فانه ليس من الاعمال عند الله عز وجل بعد الايمان افضل من ادخال السرور على المؤمنين، كان الحاكم الشاب يصغي باهتمام لما يقوله الشيخ وقد اطمئن الى ان التجارة التي دخل فيها الحاج مع الله تعالى جديرة بان يتاجر فيها ولو بشيبته؟!
حدثه صاحبه يوما فقال: لا ادري سر شدة التأثير الذي تركته في نفسي كلمة لرجل لم اره اصلاً انه السيد حسن المدرس الذي يذكر غالباً في التاريخ السياسي لايران ويشاد بدوره السياسي في مواجهة رضا خان ومساعي بريطانيا لتسليطه على ايران بدايات القرن العشرين.
الطابع السياسي هو الغالب على صورة هذا السيد في ذهني ولكن كلمته كانت موعظة اخلاقية تركت في نفسي تاثيراً تربوياً عجيباً وهذا ما اثار العجب في نفسي فهل يمكن ان يكون لرجل سياسي مثل هذه الموعظة المؤثرة اجابه بان هذا السيد الشهيد هو فقيه بارع قبل ان يكون سياسياً وأخذ يحدثه عن بعض الاراء الفقهية الدقيقة التي عرضها السيد والخبرة الاجتهادية المتمرسة المشهودة في مصنفاته الفقهية المطبوعة ولكن علامات عدم الاقتناع بقيت ماثلة على وجه صاحبه الي ختم كلامه بالقول: ليس كل فقيه مجتهد يمكن ان تصدر عنه مثل هذه الكلمة وليس كل عارف اخلاقي تصدر عنه مثل هذه الكلمة يمكن ان يكون لها مثل هذا التأثير، قال الرجل وهو يحدثنا عما جرى مع صاحبه، انتظرت ان يخبرني صاحبي بهذه الكلمة الموعظة التي نفذت الى قلبه وتركت في نفسه كل هذا التأثير ولكن انتظاري طال دون ان ينطق بشيء وكأنه كان هو الآخر ينتظر منه ان أسأله عن تلك الموعظة ولعله كان يرى في ذلك صوناً لها من الابتذال وهو يراها جوهرة ثمينة.
*******