السلام عليكم أحباءنا، معكم في هذا اللقاء وحكايتين في الأولي هداية لطيفة الي أثربعث الحياء من الله في الردع عن المعاصي وفي الثانية هداية جليلة الي بركة صدق التوجه الي الله عزوجل.
روي أن مولانا الإمام موسي الكاظم (عليه السلام) اجتاز يوماً علي دار بشر الحافي في بغداد، فسمع الملاهي وأصوات الغناء والرقص تخرج من تلك الدار، فخرجت جارية وبيدها قمامة مجلس اللهو. فرمت بها في الدرب.
فقال لها الإمام (عليه السلام): يا جارية، صاحب هذه الدارحر أم عبد؟
فقالت: بل حر.
فقال (عليه السلام): صدقت، لوكان عبدا خاف من مولاه.
فلما أخذت الجارية الماء ورجعت ودخلت علي بشر قال مولاها - وهوعلي مائدة السكر-: ما أبطأك علينا؟
فقالت: حدثني رجل بكذا وكذا. فخرج حافياً حتي لقي مولانا الكاظم (عليه السلام)، واعتذر، وبكي، واستحيي من فعله وعمله منه، فتاب علي يده ولقب مُنذ ذلك اليوم ببشر الحافي لأنه خرج حافياً خلف الإمام بعد أن أثار قوله (عليه السلام) في قلبه الحياء من الله جل جلاله.
نقدم لكم الحكاية الثانية في هذا اللقاء وفيها هداية جليلة الي آثاردعوة الناس الي الحق بالعمل لا باللسان.
روي العالم الحنبلي سبط ابن الجوزي عن العابد الزاهد شقيق البلخي قال: خرجت حاجا في سنة تسع وأربعين ومائة، فنزلت القادسية، فإذا شاب حسن الوجه شديد السمرة - عليه ثوب صوف مشتمل بشملة، في رجليه نعلان - وقد جلس منفردا عن الناس، فقلت في نفسي هذا الفتي من الصوفية يريد أن يكون كلا علي الناس، والله لأمضين إليه وأوبخنه، فدنوت منه فلما رآني قال: يا شقيق اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ.
فقلت في نفسي: هذا عبد صالح، قد نطق بما في خاطري، لألحقنه ولأسألنه أن يجالسني. فغاب عن عيني فلما نزلنا (واقصة) وهي من منازل الطريق فإذا به يصلي وأعضاؤه تظطرب ودموعه تتحادر.
فقلت: أمضي إليه وأعتذر.
فأوجزفي صلاته ثم قال: يا شقيق وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى.
فقلت: هذا من الأبدال، قد تكلم علي سري مرتين.
ونبقي مع شقيق البلخي وهو يروي الحكاية قائلاً: فلما نزلنا منزل (زيالة) إذا به قائم علي البئروبيده ركوة يريد أن يستقي ماء، فسقطت الركوة في البئر، فرفع طرفة إلي السماء وقال:
أنت ريي إذا ظمئت إلي الماء
وقوتي إذا أردت طعاماً
يا سيدي ما لي سواها.
قال شقيق: فوالله لقد رأيت البئر قد ارتفع ماؤها، فأخذ الركوة وملأها وتوضاً وصلي أربع ركعات، ثم مال إلي كثيب رمل هناك، فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويشرب.
فرأيت ذلك عجباً منه فقلت: أطعمني يا عبد الله من فضل ما رزقك الله وما أنعم عليك.
فقال: يا شقيق، لم تزل نعم الله علينا ظاهرة وباطنة، فأحسن ظنك بربك. ثم ناولني الركوة، فشربت منها فإذا هو سويق وسكر، ما شربت - والله أبداً- ألذ منه ولا أطيب ريحاً. فشبعت ورويت، وأقمت أياماً لا أشتهي طعاماً ولا شراباً. ثم لم أره حتي دخلت مكة. فرأيته ليلة إلي جانب قبة الميزاب نصف الليل، يصلي بخشوع وأنين وبكاء. فلم يزل كذلك حتي ذهب الليل، فلما طلع الفجر جلس في مصلاه يسبح. ثم قام إلي صلاة الفجر فطاف بالبيت أسبوعاً وخرج، فتبعته فإذا له حاشية وأموال وغلمان، وهو علي خلاف ما رأيته في الطريق، ودار به الناس يسلمون عليه ويتبركون به.
فقلت لبعضهم: من هذا؟
فقال: موسي بن جعفر.
فقلت: قد عجبت أن تكون هذه العجائب إلا لمثل هذا السيد.