عجيب امر هذا الرجل انها المرة الرابعة التي يأتيني مستشفعاً لقضاء حوائج اهل هذه البلدة وهي المرة الرابعة التي ارد شفاعته بكل حزم بل بكل خشونة!! فهل ياتراه سيعاود الشفاعة لهؤلاء عندي مرة خامسة؟!
كانت هذه الكلمات تتدفق في ذهن مدير الناحية الجديد وهو يحدق النظر في الخطوات المطمئنة التي كان يغادر بها غرفته الطويلة رجل قد شارف العقد السابع من عمره تعلوه ملامح الهيبة والوقار مشوبة ببعض الاذى فقد رفضت شفاعته في مظلوم دخل غرفة مدير الناحية الجديد من اجل رفع ظلامة ادارية الحقت به.
لم يكن اذاه من الموقف الخشن الذي واجهه به هذا الحاكم الاداري الجديد لبلدته والاهانة الوقحة لشيبته التي تضمنها هذا الموقف، بل كان جل اذاه من خيبة الامل التي سيشعر بها ذلك المظلوم الذي ينتظره عند الطرف الآخر للباب ليعرف نتيجة شفاعته في رفع الظلم عنه وعندما خرج تلقاه المظلوم ليسأله بلهفة عن النتيجة فلم يجد بداً من حفظ الامل في نفسه فقال له: اصبر قليلاً يا ولدي عسى الله ان يجعل لك مخرجاً فان مع العسر يسرين.
مضت ايام قلائل على هذه الحادثة وفي ضحى يوم جديد دخل غرفة هذا الحاكم الاداري مدير مكتبه ليخبره بان الحاج هكذا اعتادوا ذكره دون تسميته باسمه ينتظر الدخول لامر له معك تفجر غضب هذا المدير وهو يسمع ذكره الحاج يصرخ بمدير مكتبه: الا يمل هذا الحاج من مراجعتي في حوائج هؤلاء الناس! فقال له مدير مكتبه بهدوء انه يا سيدي لم يراجع احداً من مسؤولي البلدة لحاجة لنفسه ابداً لكنه لايبخل بما استطاع من جهد لقضاء حوائج الناس، تابع مدير المكتب حديثه الودود عن الحاج فقال: لقد اعتاد اهل البلدة على اللجوء اليه في رفع المظالم عنهم وقضاء حوائجهم، وكان المدير السابق يصغي لما يقوله ويقبل شفاعته فيهم فقد وجد فيه من اخلاص في الشفاعة لايشوبه شيء من المطامح الشخصية، استمر مدير المكتب حديثه بشوق فقطعه عليه بغضب ظاهر الحاكم الجديد الذي قال بلهجة فيها بعض المكر الظاهر: ولكني لست ساذجاً كالمدير السابق لانخدع به انه يريد ان يكسب وجاهة بين الناس بمثل هذه الشفاعات ادخله عليَّ سالقنه هذه المرة درساً يبعث اليأس في قلبه فلا يعاود بعدها مراجعتي ولا غيري من مسؤولي الناحية.
مرت دقائق قبل دخول الحاج وحاكم البلدة يحضر في ذهنه ما سيقوله له وما ان دخل بادره بكلمات مشبعة بالكثير من الغلظة وقساوة القلب: اسمع يا رجل لن اسمع لك قولاً في هذه الامور حتى لو راجعتني مائة مرة، فكف عن مراجعتي وصن شيبتك عن هذه المهانة فذلك خير لك.
لم يكن متوقعاً ان تصدر مثل هذه الكلمات من شخص مهمته الاولى متابعة هذه الامور التي يأتيه الحاج لاجلها ولكن الاشد غرابة والابعد عن التوقع كان جواب الحاج فقد اجابه بكلمات مفعمة بالطمأنينة: قد قلت ما قلت يا ولدي فاسمع مني الجواب لو رددت شفاعتي الف مرة فلن اكف عن مراجعتك اومراجعة غيرك في قضاء حوائج المؤمنين ورفع ظلامات المظلومين.
وما جدوى هذه المراجعات وانت تعرض شيبتك للاهانة دونما طائل؟ قال الحاكم بغضب مستعر، فأجابه الحاج دعني اتاجر مع الله بهذه الشيبة في السعي لقضاء حوائج الناس فما كان لله فهو يعطي ثماره عاجلاً او اجلا والخير كل الخير في قضاء حوائج الناس وفي معونة المؤمنين ودفع المكروه عنهم.
غادر الحاج الغرفة ليترك كلماته ترن طويلاً في ذهن الحاكم وتطرق ابواب قلبه لقد اراد الحاكم الشاب ان يلقن الحاج درساً يجعله يكف عن مراجعته فتلقى منه درساً من نمط آخر جعله اسير اخلاص هذا الشيخ الوقور هزه هذا الموقف ودفعه لاعادة النظر في الكثير من قناعاته السابقة.
ترى ماذا سيكون رد فعل الحاكم الاداري الجديد على موقف الحاج وهل سيدفعه الى الامر بمنع دخوله الى مديرية الناحية بالمرة ام انه سيغير موقفه منه بالكامل وسيتعامل معه مثلما كان يتعامل سلفه الحاكم السابق؟ الاجابات تجدونها في الحلقة المقبلة من قصص من الحياة تاتيكم في مثل هذا الوقت ان شاء الله.
*******