سألته وقد اعجبني ما رأيت فيه من آثار النفس المطمئنة وخصال الايمان كيف بلغت مابلغت من مراتب الايمان والصلاح حدثني عن طريقك الى ذلك فقال الرجل: قرأت وانا في مقتبل العمر حديثاً للامام الصادق عليه السلام كان له كبير الاثر في انتظام حركتي في المسير الذي سلكته والحديث الشريف طويل اشتمل على توضيح حقيقة من حقائق التربية الاسلامية المهمة خاصة فيما يرتبط بالحصول على الثمار المرجوة من هذه التربية.
الحديث كان اجابة على سؤال لاحد اصحاب الامام عليه السلام بشأن العلاقات الايمانية وهل ان شرط اقامتها بين اثنين ان يكونا متماثلين بالكامل في معتقداتهم وفي مراتبهم الايمانية؟ فبين الامام سلام الله عليه اختلاف مراتب الناس في الايمان والعمل بالاسلام ثم قال فلا تحملوا على صاحب السهم سهمين ولا على صاحب السهمين ثلاثة اسهم فتثقلوهم وتنفروهم ولكن ترفقوا بهم وسهلوا لهم المدخل وساضرب لك مثلاً تعتبر به وكان لهذا المثل الذي ضربه الامام لصاحبه ابلغ الاثر في نفسي وانا مقبل على الاسلام ورأيت ببركته الكثير من الثمار.
قال الامام عليه السلام في توضيح المثل الذي ضربه لصاحبه انه كان رجل مسلم وكان له جار كافر وكان الكافر يرافق المؤمن فاحب المؤمن للكافر الاسلام فلم يزل يزين له الاسلام حتى اسلم.
فغدا عليه المؤمن فاستخرجه من منزله فذهب به الى المسجد ليصلي معه الفجر جماعة فلما صلى قال له: لو قعدنا نذكر الله حتى تطلع الشمس فقعد معه فقال له: لو تعلمت القرآن الى ان تزول الشمس وصمت اليوم كان افضل، فقعد معه وصام حتى صلى الظهر والعصر فقال: لو صبرت حتى تصلي المغرب والعشاء الآخرة ثم نهضا وقد بلغ مجهوده وحمل عليه ما لا يطيق فلما كان من الغد غداً عليه وهو يريد مثل ما صنع بالامس فدق عليه بابه ثم قال له:
اخرج حتى نذهب الى المسجد فاجابه الرجل ان: انصرف عني فان هذا دين شديد لا اطيقه، وعلق الامام الصادق عليه السلام على المثل الذي ضربه مخاطباً صاحبه فلا تخرقوا بهم اما علمت ان امارة بني امية كانت بالسيف والعسف والجور وان امامتنا بالرفق والتآلف والوقار والتقية وحسن الخلطة والورع والاجتهاد فرغبوا الناس في دينكم وفي ما انتم فيه.
تابع صاحبي حديثه الشيق عن تجربته التربوية الذاتية فقال: اخذت من الامام الصادق عليه السلام هذا المثل الذي ضربه للمؤمنين وعاملت نفسي به وتصورتها في موقف ذاك الصديق الذي احبه واحب ان انقله من الظلال الى الهدى ومن الظلمات الى النور ولكن بطريقة لا تجعلها تجابهني بقول ذلك هذا دين شديد لا اطيقه، كنت اوحي لها بتلقين مستمر بجوانب السماحة وايسر في كل خصلة من خصل الخير والصلاح حتى اجذبها اليها فتقبل على التحلي بها طواعية.
فسألته وكيف كنت تروضها اذا لم تقبل على ما تدعوها اليه اجاب: لا اكرهها ولا اجبرها على غير الفرائض واجتناب المحرمات وما دون ذلك فان وجدت فيها اعراضاً عن بعض ما ادعوها اليه تركت دعوتها اليه من نافذة ودخلت اليها من نافذة اخرى تحبها اكثر فاراها تستجيب هذه المرة لما دعوتها اليه.
وسألته فاذا لم تستجب وبقيت مصرة على عنادها فقال: ادخل من نافذة ثالثة واستعين بما لديها من كوامن الخير حتى اقنعها بما أريد.
اجل قال صاحبي ذلك ولكني لم اعرف مغزى قوله وان كنت واثقاً من سلامة هذا السبيل التربوي الذي تعلمه من منهج الائمة الهداة عليهم السلام ولكن صاحبي لم يتركني في حيرة فقد ضرب لي مثلاً ازالها مستمعينا الاعزاء هذا المثل الذي ضربه الرجل لصاحبنا سنستمع اليه في القسم الثاني والاخير من هذه القصة فالى حين موعده في الغد نستودعكم الله بكل خير والسلام عليكم ورحمة الله.
*******