والصلاة والسلام على من بعثه الباري تعالى رحمة للعالمين محمد المختار وآله الطيبين الأبرار.
السلام عليكم - ايها الاعزاء- ورحمة الله وبركاته واهلاً بكم في برنامجكم هذا آملين ان تقضوا معه وقتاً طيباً مفيداً.
مستمعينا الأكارم: منذ انتقال المرحوم آية الله الميرزا مهدي الغروي الأصفهاني المتوفي عام 1365 هجرية من النجف الأشرف الى مدينة مشهد المقدسة عام 1340هـ عمل على تكوين نواة بين تلاميذه للاتجاه الذي آمن به في اكتساب المعرفة الاسلامية.
وكان الميرزا قد خرج من تجربة معرفية لم يطمئن بها فعكف على النص الاسلامي من خلال القرآن الكريم والحديث من أجل انارة العقل والفطرة الصافية.
وعمد الى تخليص قضايا العقل من شوائب الأوهام مستعيناً على ذلك بتزكية النفس وتقواها مقتفياً الى هدفه خطى المعصومين (عليهم السلام) ذلك انه كان يرى في القران والحديث النبع الصافي الذي تستلم منه المعرفة الأصيلة ويلتمس فيه الهدى والنجاة، وفي ربع قرن سلخه الميرزا (رحمه الله) في مشهد المقدسة عقد حلقات درسه وألف ما ألف من كتبه جاداً في طريقته شديداً في نقده للنظريات الفلسفية المتباينة مع المعرفة الاسلامية، معنياً بايصال ما يهمه الى تلاميذه.
وكان (رحمه الله) مع ذلك من أعلام الفقه وفحول الأصول وألقى دروساً فيهما مدة من الزمن، وحيث كان يرى ان سد الفراغ في أصول الدين أهم وألزم أضاف الى جلسات درسه في الفقه والأصول دروساً في معرفة المبدأ والمعاد.
ونبقى مع آية الله الميرزا مهدي الغروي (أعلى الله مقامه) فقد برز من تلاميذه علماء اعلام وقد حاول بعضهم ان ينظم هذا الاتجاه المعرفي واختار له اسم -مدرسة التفكيك - ويقصد منها - التفكيك بين النص الاسلامي الأصيل وبين المزج الفلسفي الذي يحاول التأويل في النص حفاظاً على النظرية الفلسفية.
وكان من أبرز تلاميذ هذا العالم الكبير سماحة آية الله الميرزا حسن علي مرواريد حيث سئل عن كيفية تعرفه على استاذه ومن اين بدأ معه الرحلة المعرفية العميقة والطويلة فأجاب قائلاً: التحقت بالحوزة العلمية في مشهد المقدسة وكان عمري يقارب الثامنة عشرة ولما ورد آية الله الميرزا مهدي الغروي الاصفهاني (رحمه الله) حوزة مشهد وأخذ يلقي دروسه الاعتقادية حول المبدأ والمعاد حضرت درسه واستفدت من معارفه الاسلامية كثيراً.
ويضيف آية الله مرواريد قائلاً: وفي نفس الوقت كنت ادرس مرحلة السطوح المتوسطة عند المرحوم الشيخ التنكابني وهو كان بدوره يحضر بحث الخارج في الفقه والأصول عند آية الله الميرزا مهدي الغروي وكنت شديد الرغبة في الحضور في تلك الدروس لكن سببين كانا يحولان دون بلوغ هذه الرغبة، الأول هو انني لم ازل في مرحلة السطوح والشيخ الميرزا كان لا يسمح لمن لم يختم هذه المرحلة ان يحضر بحوثه الاستدلالية الدقيقة في الفقه والأصول.
والسبب الثاني هو العرف الحوزوي الذي يقضي بعدم حضور الطالب والأستاذ جنباً الى جنب في درس واحد ولكنني لزيادة الشوق وثقتي بنفسي - بعد التوكل على الله تعالى- في القدرة على فهم دروس المرحلة العالية - بحث الخارج- قررت يوماً ان اختفي خلف باب الحجرة التي كان الشيخ يدرس فيها طلبته فأصغيت له جيداً وكان الموضوع يدور حول: ما اذا حصل القطع عبر القياس المحرم هل يكون حجة ام لا؟ فان قيل: انه حجة فهو تجويز لخوض القياس وهو لا يجوز، وان قيل: لا فهو دليل عدم الحدية الذاتية للقطع خلافاً لرأي أكثر الأصوليين.
ويستمر آية الله مرواريد في حديثه قائلاً: لقد كتبت ذلك البحث بدقته وتفاصيله، ثم اعطيت الأوراق في اليوم التالي لأستاذي الشيخ التنكابني ليعطيها للشيخ الغروي عله يسمح لي بالحضور في درسه، وفي اليوم الآخر أخبرني الأستاذ ان الشيخ (رحمه الله) اشاد بما كتبته وسمح لي بالحضور في الدرس، وهكذا صرت اجلس الى جانب استاذي بحضور الاستاذ الأكبر رغم صعوبة ذلك من ناحية العرف الحوزوي ومنذ تلك الساعة قربني الشيخ الميرزا مهدي الغروي منه فلازمته سنوات طويلة حتى وفاته (طيب الله ثراه).
ويشير آية الله مرواريد الى بعض ذكرياته مع أستاذه قائلاً: عندما أصدرت الحكومة البهلوية الظالمة قراراً بمنع لبس العمامة الا للمراجع وبعض كبار العلماء فقط، صعب علي خلعها فقد كنت متعوداً عليها ومستأنساً بها، فلما دخلت على الشيخ حاسر الرأس ولأول مرة لاحظ علي الحزن والانقباض، فقال لي: ما بك؟ قلت: الحكومة منعت الطلبة من لبس العمامة.
قال وبكل ثقه وطمأنينة: ليست العمامة كمال الطالب، انما الكمال في حقيقة الطالب وجوهره. لقد أعادتني هذه النصيحة الى وضعي الطبيعي فارتاحت نفسي واستقرت، والأجمل من هذه الكلمة الناصحة للشيخ انه بعد يوم زارني في بيتي ساعة قبل اذان الصبح وهو حاسر الرأس مرتدياً الزي الشعبي وكان يريد ان يواسيني ويخفف عني وطأة الحالة النفسية التي رآني فيها، جلس دقائق واضاف الى نصيحته قائلاً: انظر هذا انا ايضاً اخرج بلا عمامة فهل يتغير من واقعي شيء، المهم ان يشتغل الانسان بهدفه سيراً تكاملياً الى الله تعالى، ولا يبالي بالأمور الجانبية فيصرف ذهنه اليها ويغفل عن اللباب.
وختاماً - ايها الاحبة الكرام- شكراً لكم على حسن المتابعة وجميل الاصغاء. وحتى اللقاء القادم نستودعكم الله تعالى والسلام عليكم.