وصلى الله على سيدنا وامامنا محمد المصطفى وعلى آله الطيبين الأطهار.
السلام عليكم - ايها الاعزاء- ورحمة الله وبركاته واهلاً بكم في برنامجكم هذا راجين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
هذه عودة اخرى الى العبد الصالح الشيخ رجب علي الخياط (رضوان الله تعالى)، فقد ذكر ان السر الأساسي في تأثيره على من حوله وقدرته على التهذيب هو دعوته الى الله تعالى بالعمل قبل القول وامتثاله لوصية امير المؤمنين (عليه السلام) التي يقول فيها: من نصب نفسه اماماً فعليه ان يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه.
فهو - اي الشيخ رجب- اذا كان يدعو الآخرين الى التوحيد العملي فقد حطم بذلك ارباباً متفرقين - وعلى رأسهم صنم نفسه، واذا كان يحث الآخرين على الاخلاص في جميع الأعمال، فقد كانت جميع حركاته وسكناته لله تعالى، واذا كان يغفل لحظة كان الباري تعالى يرفده بالتسديد وبالنحو الذي كان يقول فيه: كل ابرة كنت اغرسها في القماش لغير الله كانت تنغرس في يدي.
نعم، واذا كان الشيخ رجب علي الخياط (رحمه الله) يحض الآخرين على محبة الله تعالى فإنه فان بنفسه في محبته سبحانه كالفراشة في دورانها حول الشمعة. واذا كان يحث الآخرين على الاحسان والايثار وخدمة الناس فهو نفسه كان سباقاً في هذا الميدان، واذا كان يصف الدنيا بالعجوز ويحذر الآخرين من التعلق بها فان حياة الزهد التي كان يعيشها تمثل اوضح دليل على اعراضه وعدم رغبته في هذه العجوز.
يمكن تقسيم الأساليب التربوية التي اتبعها الشيخ في تربية تلاميذه ومريديه الى نوعين وهما الأول الأسلوب التربوي في المجالس العامة، والثاني في المواقف الخاصة، والمجالس العامة كانت تنعقد في داره اسبوعياً وكان ايضاً يقيم مجالس وعظ في داره في اكثر أيام الأعياد وايام مواليد وشهادة المعصومين (عليه السلام) وكان له في أيام محرم وصفر وشهر رمضان في كل ليلة مجلس في الوعظ والارشاد وكانت تلك المجالس تنعقد احياناً في دور الاصدقاء في كل اسبوع على شكل دورة الى فترة تقارب السنتين.
وكانت المجالس الأسبوعية تقام عادة في ليالي الجمعات بعد صلاتي المغرب والعشاء بامامته وكان يفتتحها عادة بقراءة ابيات من الشعر العرفاني للمرحوم الفيض الكاشاني (رضوان الله تعالى) وهي بهذا المعنى:
أستغفر الله من كل ما سوى الله
استغفر الله من كل وجود مستعار
كل لحظة تمر بدون ذكره «استغفر الله» منها بما لا يحصى من الاستغفار واللسان الذي لا يترطب بذكر الحبيب. الحذر من سره واستغفر الله.
انقضى العمر ولم أفق ساعة من الغفلة استغفر الله، ولى الشباب وتصرمت الشيخوخة وما عملت شيئاً استغفر الله.
يقول احد تلاميذ الشيخ: انه كان يقرأ هذه الأبيات بصوت عذب وبنحو يستعصي علي حبس دموعي، وفي اعقاب ذلك يقرأ (رحمه الله) بشكل رائع واحدة من المناجاة الخمس عشرة المنسوبة الى الامام السجاد (عليه السلام)، ويقول تلميذ آخر من تلاميذه: لم ار في مجالس دعاء الشيخ من هو أكثر بكاءً منه، فهو كان يبكي بكاءً مريراً يفتت الأكباد.
وبعد انتهاء الدعاء وتناول الشاي كان الشيخ رجب علي خياط (رحمه الله) يبدأ كلمته في الوعظ والارشاد وكان على درجة عالية من حسن البيان وكان يحاول على الدوام ان ينقل في كلماته حصيلة ما أدركه من القرآن والأحاديث وما توصل اليه من حقائق حولهما الى الآخرين، وتدور المحاور الاسلامية لكلامه حول موضوعات التوحيد، الاخلاص، حب الله، حضور القلب، الانس بالله، خدمة الناس، التوسل بأهل البيت (عليه السلام)، انتظار الفرج، التحذير من حب الدنيا، ومن الأنانية وهوى النفس.
قال احد مريدي الشيخ وهو الدكتور ثباتي: تعرفت في السنوات الأخيرة من الثانوية بالشيخ بواسطة الدكتور عبد العلي كويا الذي يحمل شهادة الدكتوراه في الفيزياء الذرية من فرنسا وبقيت أتردد على مجالسه مدة عشر سنوات وكانت احاديثه تتسم بطابع روحي يبعد الكلل والملل عن نفس الانسان مهما تكررت على سمعه، وكان رحمه الله يلخص موضوع السير الى الله بقوله: يجب ان تغير مرشدك من الآن، اي كل ما كنت تفعله الى يومك هذا انما كان لنفسك، ويجب عليك من الآن فصاعداً أن تفعل كل شيء في سبيل الله تعالى وهذا هو أقرب الطرق اليه سبحانه، اسحق ذاتك واحتضن محبوبك.
وكان سماحته يقول: قيمة كل امريء بمقدار ما يريده فاذا كان يريد الله فقيمته مطلقة، واذا كان يريد الدنيا فقيمته بقدر ما يطلب. وكان (طيب الله ثراه) يقرأ الأدعية على سجيته من غير تكلف، وكان دعاؤه أشبه ما يكون بمغازلة حبيب لحبيبه وكأنه ام تبحث عن ولدها المفقود، كان يبكي من صميم قلبه ويئن وهو يتحدث مع الله سبحانه، وكان يكثر من قراءة دعاء «يستشير» والمناجاة «الخمس عشرة»، وكان يعتقد ان دعاء «يستشير» أشبه ما يكون بمغازلة الحبيب لحبيبه، أما في ايام محرم فكان يقل من الكلام ويكثر من قراءة مصيبة اهل البيت (عليهم السلام) من كتاب - طاقديس- ويبكي ثم يبدأ بعدها بالمناجاة.
وختاماً ايها الاعزاء شكراً لكم وجزاكم الله خير الجزاء على حسن المتابعة. وحتى اللقاء القادم نستودعكم الباري تعالى والسلام عليكم.