والصلاة والسلام على حبيب اله العالمين محمد المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم - مستمعينا الاعزاء- ورحمة الله وبركاته واهلاً بكم في برنامجكم هذا آملين أن تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
مستمعينا الأكارم: حول عزة النفس اليكم الرواية التالية قال آية الله السيد أحمد حجت الكابلي (رحمه الله) وهو من فقهاء أفغانستان: حينما كنت أدرس في بداية شبابي وكان عمري آنذاك حوالي ستة عشرة سنة في حوزة مشهد المقدسة عانيت من الفقر والجوع مدة طويلة، وذات يوم لشدة الجوع وعدم حصولي على طعام لمدة يومين جئت الى الصلاة في مسجد كوهرشاد فلم أستطع الوقوف على قدمي لشدة الضعف، فجلست اصلي واذا برجل كانت تبدو عليه آثار الثراء وقد رآني بتلك الحالة فسألني: أنت شاب وتصلي من جلوس؟ ولو كنت اقول له ان هذا بسبب الجوع والضعف لكان يمنحني مالاً من دون شك، ولكن عزة نفسي وكرامتي أبت الافصاح عن واقع الأمر فأجبته بأني أعاني من ألم في قدمي. أجل - مستمعي الكريم- هكذا تكون عزة النفس عند المؤمن وقد قال بعض الحكماء: «لو بيع ماء الحياة بماء الوجه لم يشتره العاقل لأن الموت بعلة خير من الحياة بذلة».
كان المرحوم آية الله العظمى السيد عبد الله الشيرازي في درجة من الزهد بحيث أبى في حياته الكريمة ان يجلس على سجادة فاخرة حتى في حسينيته التي أوقفها للأنشطة الاسلامية في مشهد المقدسة، اذ كان يجلس في حجرة منها لخدمة الناس فقد قيل له ذات مرة: ان المكان الذي اوقفته هو خارج عن ملكيتك فاسمح لنا أن نفرشه بسجادتين فاخرتين تقيانك من البرد!
فقال السيد (أعلى الله مقامه): تريدون في آخر عمري ان تغيروا نهجي في الحياة وتجعلوني كالأغنياء؟ سبحان الله، كلا يستحيل ان اسمح لكم بذلك. وكان (رحمه الله) يتناول أبسط انواع الطعام، واما في شهر رمضان المبارك حيث من العادة أن يضاف الى مائدة الافطار شيء من الحلوى وغيره فقد كان بمجرد أن يجلس فيرى نوعين من الطعام على المائدة فانه يقول: لا افطر الا ان ترفعوا واحداً من الاثنين.
وكان من عادته أن يأخذ الاناء الذي يتناول فيه طعامه بعد الانتهاء منه ويذهب به الى المكان المخصص لغسله، فلم يكن يكلف أحداً في البيت أن يخدمه مادام يتمكن من القيام بذلك. ولقد شوهد مرات عديدة يغسل بعض ألبسته بنفسه رغم كثرة مشاغله في التصدي لشؤون المسلمين فيقال له: حبذا أن تكلفوا غيركم بهذه المهمة، فيقول: ان واجبي الشرعي يفرض علي ان اقوم بنفسي بذلك ولا أكلف عائلتي.
روي ان قاضي الري والأهواز موسى بن اسحاق في القرن الثالث الهجري جلس ينظر في قضايا الناس، وكان بين المتقاضين امرأة ادعت على زوجها أن عليه خمسمئة دينار مهراً لها فأنكر الزوج ان لها في ذمته شيئاً فقال له القاضي: هات شهودك.
فقال: قد احضرتهم. فاستدعى القاضي احدهم وقال له: انظر الى الزوجة لتشير اليها في شهادتك فقام الشاهد وقال للزوجة: قومي.
فقال الزوج: ما تريد منها؟
فقيل له: لابد ان ينظر الشاهد الى امرأتك وهي مسفرة الوجه كي تصح عنده معرفته بها.
فكره الرجل ان تضطر زوجته الى الكشف عن وجهها للشهود امام الناس، فصاح: اني اشهد ايها القاضي ان لزوجتي هذا المهر الذي تدعيه ولا تسفر عن وجهها، فلما سمعت الزوجة ذلك اعبرت في زوجها انه يضن بوجهها على رؤية الشهود وانه يصونها عن اعين الناس فصاحت تقول للقاضي: اني اشهدك اني قد وهبت له هذا المهر وابرأته منه في الدنيا والآخرة، فقال القاضي لمن حوله: اكتبوا هذا في مكارم الأخلاق.
روي ان المرحوم الشيخ سعيد الحلبي عالم الشام في عصره كان يدرس تلاميذه وقد مد رجله فدخل عليه جبار الشام ابراهيم باشا بن محمد علي ملك مصر، فلم يتحرك له ولم يقبض رجله ولم يبدل قعدته فتألم الطاغية وأضمرها في نفسه، ولما خرج بعث اليه بصرة فيها ألف ليرة ذهبية (محاولاً شراء ذمته) فردها الشيخ وقال للرسول الذي جاء بها: قل للباشا: ان الذي يمد رجله لا يمد يده.
قدم الاستكبار الانجليزي الثائر (أبا الكلام آزاد) للمحاكمة بتهمة التحريض على الثورة في عام 1922، ووقف آزاد موقفاً بطولياً في قفص الاتهام وصرخ في وجه القضاة قائلاً: اني مسلم... ولاني مسلم وجب علي أن اندد بالاستبداد وأقبحه واشهر بمساويه، ان الاسلام بمجرد ظهوره أعلن أن الحق ليس بالقوة ولا هو القوة بل الحق هو الحق، وانه ليس لأحد من البشر أن يستعبد عباد الله ويذلهم ويسخرهم... ولعمري ان مطالبة المسلم بأن يسكت عن الحق ولا يسمي الظلم ظلماً مثل مطالبته بأن يتنازل عن حياته الانسانية.
يقول الثائر أبو الكلام آزاد (رحمه الله) بعد ذلك: اني اقول حقاً: انه لا يؤلمني أن أرى الحكومة عازمة على معاقبتي، وانها لا تحاكمني الا لكي تزجني في السجن اذ ان هذ الأمر لابد منه... وانما الذي يؤلمني ويفتت كبدي هو أن أرى الحالة تنقلب انقلاباً تاماً، فبدلاً من أن ينتظر من المسلم صدق اللهجة وقول الحق يطلب منه السكوت عنه وكتمان الشهادة، وألا يقول للظالم: «انت ظالم لأن قانون المستعمرات يعاقب عليه».
وختاماً - أيها الأحبة الكرام- شكراً لكم على حسن المتابعة. وحتى اللقاء المقبل نترككم برعاية الله وحفظه والسلام عليكم.