وصلى الله على خاتم الانبياء والمرسلين محمد المصطفى وعلى أله الطيبين الطاهرين...
السلام عليكم ـ مستمعينا الاعزاء ـ ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في برنامجكم هذا راجين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
مستمعينا الافاضل ـ لقد كان من ابرز صفات الاسرة الهاشمية الشجاعة وقوة البأس، فكان سيد الكائنات الرسول محمد(ص) اشجع موجود ضمته ساحة الموجودات وكان امير المؤمنين علي(ع) بطل الاسلام الذي حصد بسيفه البتار رؤوس الطغاة من الجبابرة المجرمين، وقد ضارعه في تلك الشجاعة ابناؤه الميامين(ع) وكذلك تجلَّت الشجاعة بأروع صورها لدى بطل الاسلام الخالد مسلم بن عقيل(ع) الذي صمد وحده بوجه جيش الطغاة ولم يخضع لارادة الظلم والباطل، وقد تخلَّق بالصبر فلم يحفل بما ألمَّ بهِ من مكاره الدنيا وخطوب الأيام فقد احاطت به اقصى المحن فلم يجزع منها وقابلها بمنتهى الرضا وطمأنينة النفس، وكان من مظاهر صبره انه بعدما كان اميراً في الكوفة قد احيط بهالة من التكريم والتعظيم وبصورة مفاجئة قد انقلب عليه الناس وغدروا به وعمدوا الى حربه فلم يظهر عليه امام تلك المحنة القاسية أي جزع وراح يحمد الله تعالى ويمجده ويسبحه، وبقي(ع) على هذه الحالة حتى نفذوا فيه الاعدام، فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.
مستمعينا الاكارم ـ لقد ذكرنا سابقاً ان افراداً من انصار الامام الحسين(ع) كانوا يملكون العذر المستساغ لو انصرفوا او انسحبوا ولكنهم رابطوا وجاهدوا حتى الرمق الاخير وفاءاً لدينهم ولامام زمانهم، ومن اولئك المعذورين الشيخ الطاعن في السن المجاهد (انس الكاهلي(رض)) الذي سمع حديث رسول الله(ص) بشأن جهاد سبطه الحسين(ع)، وهو رجل صحابي جليل ولعله اكبر الجميع سناً، وهو الذي تشمله آية الاعفاء وعدم الحرج قال تعالى: «ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج» ومثله (مسلم بن كثير الازدي الاعرج) الذي كان كبير السن مصاباً برجله اذ اصيب في حرب الجمل عندما كان يقوم بواجبه رهن اداء مسؤولياته تحت راية الامام علي(ع) لذا سمي بالاعرج .. وهو ايضاً ممن تشملهم الآية الكريمة في قوله تعالى: «ليس على الاعمى حرج ولا على الاعرج حرج ولا على المريض حرج»، ولقد قال الرسول(ص) عن احد انصاره وفدائييه: (والذي نفسي بيده لقد رأيت عمرو بن الجموح يطأ في الجنة بعرجته) وقد التمس الامام الحسين(ع) كلَّ نصير ذي عذر كي يسرحه ان احب، فمثلاً رفض جهاد كل من عليه دين فقال: (لا يقاتل معي من عليه دين) وذلك حين قال له رجل: "ان عليَّ دين" وبتقدير صحة هذه الرواية فالامام قد سرح القائل وصرفه كما فتح الباب لغيره ان كان مثله آخر او آخرون، بل وجه الامام نداءاً لجبهة رجاله امراً ايَّاهم بانصراف من عليه سابق دين ليؤديه... ونؤكد ان الامام(ع) انما اراد من ذلك، اولاً: فسح المجال وفتح الباب لمن تتولد عنده رغبة في الانسحاب، وثانياً: اراد تعريفهم لنا وللاجيال ليبين امثالهم ممن يترقب سنوح فرص المعاذير ويرينا ان اصحابه بعيدين عن ذلك، وثالثاً: استهدف كشف مدى صمودهم وصلابتهم العقيدية ذات الاصالة وهكذا نرى الانصار البواسل قد ثبتوا على الايمان واليقين، ورابطوا دونما اكتراث للاعذار والمعاذير التي لا تورث الا الندم، وقد كانت مواقفهم بوحي من تفكيرهم وعقائدهم وضميرهم واستبصارهم للامور والواقع ومن وحي ذواتهم قال تعالى «بل الانسان على نفسه بصيرة / ولو القى معاذيره».
وفي ختام البرنامج نشير اشارة سريعة الى موقف خالد وقفه بطل من ابطال الحسينية يدل بوضوح على حسن العاقبة وهو الحر بن يزيد الرياحي(رض) الذي كان ضابطاً بارزاً في جيش العدو لكنه تاثَّر بخطب الامام الحسين(ع) وكلماته وتذكيراته التي كان يكررها على رؤوس الاشهاد فنزع الحر على الحرية ورفض العبودية فوصل الى الامام(ع) وتاب على يديه ثم اناب .. ثم جاهد بلسانه كما جاهد بيده، حتى اخلص ووفى وافتدى فاحسن الفداء، اذ قام بالقاء الخطابات، ووعظ افراد الجيش اكثر من مرة، ونال درجة الشهادة الرفيعة بين يدي سبط الرسول(ع) فسلام الله على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين ورحمة الله وبركاته.
وختاماً ـ ايها الاعزاء ـ نشكركم على حسن المتابعة وجميل الاصغاء. وحتى اللقاء القادم نستودعكم الباري تعالى والسلام عليكم.