والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين ...
السلام عليكم ـ مستمعينا الافاضل ـ ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في برنامجكم هذا آملين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
مستمعينا الاكارم ـ لا يسع الباحث في حديث مشهد الطف المقدر فيه ـ قمر بني هاشم ـ(ع) حق قدره الا البخوع له بتحقيق هذا الخلق العظيم والغريزة الكريمة ونعني المواساة باجلى مظاهرها، فنحن حينما نتأمل مقامه مع اخيه الحسين(ع) وأيثاره التفاني معه على الحياة الرغيدة منذ مغادرته الحجاز الى هبوطه ارض كربلاء والى ان لفظ نفسه الاخير تحت مشتبك النصول فلا نجد مناصاً عن الاذعان بانه(ع) كان على اعلى ذروة من المواساة لاخيه الامام يربوا على المواسين معهم جميعاً لان مواساته كانت عن بصيرة هي انفذ البصائر يومئذ بشهادة الامام الصادق(ع) حيث قال: "كان عمنا العباس نافذ البصيرة صلب الايمان"، وقد شهد له بهذه المواساة امامان معصومان واقفان على الضمائر ويعرفان مقادير الرجال فيقول الامام الحجة (عجل الله فرجه) في زيارة الناحية: "السلام على ابي الفضل العباس المواسي أخاه بنفسه الآخذ لغده من امسه، الواقي له، الساعي اليه بمائه، المقطوعة يداه، لعن الله قاتله يزيد بن الرقاد الجهني وحكيم بن الطفيل السنبسي الطائي". ويقول الصادق(ع) في الزيارة المتلوَّة عند ضريحه المقدس: "اشهد لقد نصحت لله ولرسوله ولأخيك فنعم الاخ المواسي" فجعل عليه السلام الشهادة له بالمواساة المنعم بها نتيجة نصحه لله تعالى الذي هو مقتضى دينه ويقينه ونصحه لرسول الله الذي هو تمام التوحيد، والنصح لاخيه الامام الذي هو الجزء الاخير للعلة وبه كمال الدين وتمام النعمة وبه قبول الاعمال «اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي» (المائدة، 3).
مستمعينا الاعزاء ـ لقد كان من معالي اخلاق العقيلة زينب(ع) الصبر الجميل، وفي الحالات المعنوية والروحانية والعرفانية يمكن الحديث عن ثلاثة مقامات تعد من المقامات العالية في الايمان ومن الأسس القوية في تكامل الانسان ومعراجه الى الملكوت الاعلى الا وهي مقام الصبر والرضا والشكر فالانسان بعد مرحلة كمال الصبر يصل الى مرحلة الرضا برضا الله عز وجل وبعد هذه المرحلة الرفيعة يصل الى مقام الشكر.
ان المصائب الاليمة والمفجعة التي انهالت على زينب الكبرى(ع) كانت كل واحدة منها تكفي لشل قواها وتفقدها صبرها، فواجهت ألم فراق جدها الرسول الاكرم(ص) ثم شهادة امها الصديقة الزهراء(ع) على صغر سنها وشهادة ابيها سيد الوصيين علي(ع) ثم شهادة اخيها الحسن(ع) بسمِّ الغدر والخيانة، ثم الاحداث الدامية على ارض كربلاء والتي فقدت فيها اعزة اهلها وعلى رأسهم حبيب قلبها الامام الحسين(ع) ثم المصائب التي لاقتها فيما بعد من الهجوم على الخيام والنهب والسلب وثم الاسر والسبي والسير من بلد الى بلد تتقدم محملها رؤوس الشهداء ويتبعه صرخات اليتامى والثكالى، ولكنها(ع) صبرت وصبرت حتى نقل عنها انها قالت: "ساصبر حتى يعجز الصبر عن صبري"، وما كانت غايتها في صبرها الا رضا الباري تبارك وتعالى فما كان بكاؤها في مصيبة اخيها الحسين(ع) بكاء مذلة او عدم الرضا بقضاء الله تعالى، بل كان بكاؤها قدسياً يحمل في طياته رسالة الى العالم اجمع فاهتزت له المشاعر وابكت به العيون واحرقت فيه القلوب، وكان بكاؤها(ع) كالصاعقة على قلوب اعداء الله واعداء رسوله فاحرق بلهيبه قرير عينهم وقرار عيشهم. وحينما جاءت زينب(ع) الى مصرع اخيها الحسين(ع) فرأته مقطعاً ارباً ارباً، هنالك تجلت حقيقة العبودية لله تعالى والتسليم لامره عز وجل والرضا بقضائه حينما بسطت يداها تحت جثمانه المقدس ورفعته الى السماء وقالت: (اللهم تقبل منا هذا القربان) وارتفعت زينب(ع) بمقام الرضا بقضاء الله والتسليم لامره الى مقام الشكر، وفي كل موقف شهدته لم تنس شكر الله عز وجل، فلما ادخل اسارى أهل الطهر(ع) في مجلس المجرم ابن زياد اقبل على زينب(ع) وقال لها شامتاً ومعبراً عن دناءته: "الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم واكذب احدوثتكم". فقالت زينب(ع) (الحمد لله الذي اكرمنا بنبيه(ص) وطهرنا من الرجس تطهيراً انما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا) ، فقال ابن زياد: كيف رأيت صنع الله باخيك وأهل بيتك؟ فقالت(ع): (ما رأيت الا جميلاً) .
وفي الختام ـ ايها الاكارم ـ نشكركم على حسن المتابعة وجميل الاصغاء. وحتى اللقاء القادم نستودعكم الرؤوف الرحيم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.