والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم ـ ايها الاعزاء ـ ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في برنامجكم هذا آملين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
مستمعينا الأفاضل ـ لقد كان من معالي اخلاق اصحاب الامام الحسين(ع) الوفاء الشديد لسيدهم وامام زمانهم والاستبسال في سبيل الحق، وعندما جمع الامام القائد كل المجاهدين الذين رافقوه وجاءوا لنصرته من المدينة ومكة والبصرة والكوفة وغيرها وصرح لهم بانهم اهل بيت وانصار لا مثيل لهم ابداً، ثم اكد لهم ان العدو انما يستهدف شخصه هو(ع)، وعليه فهم في منجاة من الخطر وسلامة من القتل، ثم عمم امره بالانسحاب للجميع ورخص بانصراف الكل، ولكن هل كان اولئك الافذاذ على صلة بالدنيا وما فيها، وهل هم ينوون مفارقة امامهم؟ كلا وهيهات، كيف يكون ذلك وهم ممن عرف التأريخ دوافعهم ودرجات ايمانهم وتفانيهم في سبيل نصرة الحق؟ كيف يكون ذلك واسماعهم يطرقها صوت الامام القائد، حجة الله في ارضه، وامينه على عباده ينثال لسانه بحمد الله ويفيض قلبه بتسبيحه وشكره على نعمه التي افاضها على محمد وآله(ص) يقف بينهم في ذلك الجو المكفهر مشدوداً الى الله وحده، وكأنه لا يعنيه من أمرالخطر المحدق به شيء، يقف وقفة عباد الله المخلصين من الانبياء والمرسلين ليقول لاصحابه: "اما بعد فاني لا اعلم اصحاباً اوفى ولا خيراً من اصحابي ولا اهل بيت ابرَّ واوصل من اهل بيتي .. فجزاكم الله عني جميعاً خيراً الا واني اظن يوماً من هؤلاء الاعداء غداً .. الا واني اذنت لكم، فانطلقوا جميعاً في حلٍّ ليس عليكم مني ذمام.. هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا".
اجل ـ مستمعي الكريم ـ وتجلت صور عمالقة كربلاء في ظلام ليلة عاشوراء حيث رفضوا الدنيا واكدوا انهم مرابطون ذاتياً وبايمانهم الخطير وأجاب بنو هاشم وعقبوا على ذلك الخطاب بان هبوا وشمروا عن سواعدهم وشهروا سيوفهم مبالغة في التفاني والافتداء باخلاص ووفاء وتقدمهم البطل الخالد العباس بن علي(ع) وقال وهم معه على نفس القول الواحد والرأي الواحد: "لم نفعل ذلك؟ .. لنبقى بعدك؟!! لا اراد الله ذلك ابداًً.."، وكذلك فعل آل عقيل "رضوان الله عليهم اجمعين" والحقيقة ان آل الرسول(ص) في كربلاء كافة كانوا على جانب كبير من الصلابة في مواقفهم التي تحدت ظروف الزمان ومصائب الايام ووقفت بالمرصاد لمن تعدى على حرمات الله وحرمات رسوله، واما انصار الحسين(ع) واصحابه النجباء فقد ارادوا الكلام باديء ذي بدء، ولكن سبقهم آل الرسول فاحجموا احتراماً وتأدباً، وظلوا يتحينون الفرصة حتى حلت فتكلموا بما سجل التأريخ منه القليل واهمل الكثير، فهذا الشيخ المجاهد مسلم بن عوسجة(رض) يصرح بتصميمه قائلاً: "انحن عنك ولما نعذر الى الله في اداء حقك؟! اما والله حتى اكسر في صدورهم رمحي واضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولا افارقك ولو لم يكن معي سلاح اقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك حتى اموت معك" .. ثم نهض بعد مسلم المجاهد البطل سعيد بن عبد الله الحنفي(رض) فتلكم على بصيرة ويقين قائلاً: "والله لا نخليك حتى يعلم الله انا قد حفظنا غيبة رسول الله(ص) فيك .. والله لو علمت اني اقتل ثم احيى ثم احرق حياً ثم اذر ... ويفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك، حتى القى حمامي دونك .. وكيف لا افعل ذلك وانما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها ابداً.." ونفس هذا المعنى تكرر على لسان النصير الحسيني زهير بن القين البجلي(رض) وهكذا اجاب كل نصير حسيني وكأنهم اجابوا جميعاًَ بلسان واحد وفعلاً كانوا اهلاً للعمل وفق القول وما تنازلوا عنه قط.. هبوا جميعاً يعطون امجد بيعة في تاريخ التضحية والفداء ... بيعة على موت محقق .. فليس هناك لما دون الموت ادنى احتمال! ويعبر احد الكتاب المعاصرين عن تلك الصورة العجيبة قائلاً: الم اقل لكم "ان العظمة والبطولة ارادتا ان تجعلا من ذلك اليوم مهرجاناً وعيداً؟!" لقد ارتفع اولئك الابطال جميعاً الى مستوى الموقف المجيد الذي جعلوا منه درساً لاجيال الدنيا كلها في الولاء الباهر للحق وفي التضحية الشاهقة من اجله، وقد كانوا جميعاً على جانب كبير من الايمان والتقوى وبمستوى المسؤوليات الرسالية وكانوا من عباد الرحمان الذين ما كان للشيطان عليهم من سلطان، قال الطبري وغيره من المؤرخين: "وباتوا ليلتهم هذه فرحين مسرورين غير وجلين ولا خائفين بما يلاقوا من صبيحتهم هذه مقبلين على الله بكل مشاعرهم وافكارهم، فهم بين راكع وساجد وقائم وقاعد وبين تالٍ للقرآن ومستغفر، لهم دوي كدوي النحل".
وختاماً ـ ايها الاعزاء ـ شكراً لكم على حسن المتابعة وحتى اللقاء القادم من اخلاق الاولياء نستودعكم الله تعالى والسلام عليكم.