والصلاة والسلام على رسول رب العالمين محمد المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين ...
السلام عليكم ـ ايها الاعزاء ـ ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في برنامجكم هذا راجين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
مستمعينا الاعزاء ـ سنخصص هذه الحلقة من البرنامج لبطل من ابطال الاسلام هو الشهيد الخالد مسلم بن عقيل(ع) الذي كان يتمتع بالنزعات الشريفة والصفات الفاضلة وكان من معالي اخلاقه الايمان بالله تعالى بالقيم الاسلامية الخالدة حيث ان الامام الحسين(ع) قلده منصب النيابة عنه ليقوم بتبليغ رسالته ويصلي في الناس ويأخذ الحقوق الشرعية منهم، ومن المؤكد ان من يتولى ذلك لابد ان يكون له رصيد وثيق من الايمان والتقوى والالتزام بتعاليم الدين الحنيف وكان من اخلاقه السامية ايضاً الشجاعة النادرة حيث برزت باسمى صورها واروع معانيها عند بطل الهاشميين مسلم بن عقيل(ع)، فقد احاطت به الوحوش الكاسرة من جنود الامويين وهو وحده في ازقة الكوفة التي ليس فيها ساحة لعمليات الحرب فاستقبلهم بجاش وقوة بأس فلم يحفل بجموعهم وابدى من البسالة ما يفوق كل وصف فقد فروا من بين يديه يطاردهم الرعب والفزع وبهر قائد العملية الحربية ابن الاشعث من بسالته فاستنجد بسيده ابن مرجانة وطلب منه ان يمده بالرجال فانكر المجرم ذلك وقال له: بعثتك الى رجل واحد فعل بجيشك هذا العمل فكيف لو بعثتك الى غيره؟ يعني الامام الحسين(ع) فاجابه ابن الاشعث انما وجهتني الى سيف من اسياف محمد بن عبد الله فامده الطاغية بخمسمئة فارس، لقد كان مسلم(ع) من ابرز فتيان بني هاشم في شجاعته وبسالته فكانت شجاعته تضرب بها الامثال، فلم يعهد الناس ان شخصاً واحداً قام وحده بمقاومة جيش مكثف فانزل به افدح الخسائر وهو ثابت الجنان لم يداخله رعب ولا خوف.
ومن العناصر النفسية التي تحلى بها الشهيد البطل مسلم بن عقيل(ع) انه كان في الرعيل الاول من اباة الضيم فقد آثر العزة والكرامة وابى الخضوع الى الذل والعبودية وكان من مظاهر إبائه لما جيء به اسيراً الى الطاغية الارهابي ابن مرجانة لم يحفل به ولم يسلم عليه وكلمه بعزة وشموخ ولم يظهر عليه اثر من آثار الضعف او الاستكانة، وكان عزيز الجانب مرفوع الرأس، كلم خصمه بمنتهى الصلابة والشجاعة، فحينما قال ابن مرجانة المنافق لمسلم: بماذا اتيت الى هذا البلد؟ شتت امرهم وفرقت كلمتهم ورميت بعضهم على بعض؟ انطلق فخر بني هاشم قائلاً بكل ثقة واعتزاز بالنفس: لست لذلك اتيت هذا البلد، ولكنكم اظهرتم المنكر، ودفنتم المعروف وتأمرتم على الناس من غير رضى، وحملتموهم على غير ما امركم الله به، وعملتم فيهم باعمال كسرى وقيصر فاتيناهم لنأمر بالمعروف وننهي عن المنكر وندعوهم الى حكم الكتاب والسنة وكنا اهلاً لذلك واستمر مسلم(ع) يقول: فانه لم تزل الخلافة لنا منذ قتل امير المؤمنين علي بن ابي طالب، ولا تزال الخلافة لنا فانا قهرنا عليها انكم اول من خرج على امامتهم وشق عصا المسلمين واخذ هذا الامر غصباً ونازع اهله بالظلم والعدوان. لقد ادلى مسلم بهذا الحديث الصريح عن اسباب الثورة التي اعلنها الامام الحسين(ع) على الحكم الاموي، وقد التاع الطاغية من كلام مسلم وتبددت نشوة ظفره فلم يجد مسلكاً ينفذ منه لاطفاء غضبه سوى الكشف عن خسته ومعدنه الرديء فأخذ يسب علياً والحسن والحسين(ع) فثار البطل مسلم في وجهه وقال له: انت وابوك احق بالشتم منهم فاقض ما انت قاض فنحن اهل بيت موكل بنا البلاء.
نعم ـ مستمعي العزيز ـ لقد ظل ذلك البطل الهاشمي العظيم حتى الرمق الاخير من حياته عالي الهمة وجابه الاخطار بأس شديد فكان في دفاعه ومنطقه مع ابن مرجانة مثالاً للبطولات النادرة، وآن للبطل العظيم ان ينتقل عن هذه الحياة بعد ما ادى رسالته بامانة واخلاص واستقبل مسلم بن عقيل(ع) الموت بثغر باسم، فصعد به الى اعلى القصر وهو يسبح الله ويستغفره بكل طمأنينة ورضى وهو يقول: (اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وخذلونا).
نعم ـ مستمعي الكريم ـ لقد انطوت بقتل مسلم بن عقيل شهيد العقيدة الحقة صفحة مشرقة من اروع صفحات تاريخ الاسلام، لقد استشهد في سبيل العدالة الاجتماعية، ومن اجل انقاذ الامة وتحريرها من الظلم والجور، وهو اول شهيد من الاسرة النبوية يقتل علناً امام المسلمين ولم يقوموا بحمايته والذب عنه.
وفي الختام ـ ايها الاكارم ـ نشكركم على حسن المتابعة وجميل الاصغاء. وحتى اللقاء القادم نستودعكم الباري تعالى والسلام عليكم.