والصلاة والسلام على حبيب قلوبنا وانيس نفوسنا محمد المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم ـ مستمعينا الاكارم ـ ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في برنامجكم هذا راجين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً ...
مستمعينا الاعزاء ـ كان السيد جمال الدين الاسد آبادي المشهور بالافغاني(رض) شجاعاً الى درجة انه رغم وجود ممثل بريطاني رفيع المستوى في الهند فقد خطب في الناس قائلاً: ايها الناس اقسم بالحق والعدل ان الحكومة العميلة للاستعمار رغم دعمها لكم، لكنها تدفع اولادكم لحمل السلاح وازالة استقلالكم وثرواتكم، انهم لا يتجاوزون عشرة آلاف شخص، ولو انكم اصبحتم بعوضاً وقمتم بالطنين في أذن الحكومة لوصل الصوت الى رئيسهم أي "المستشار البريطاني" بكى بعضهم شوقاً وغيرة فقال السيد جمال الدين(رض) ان البكاء عمل النساء والسلطان محمد الغزنوي لم يأت الى الهند بالبكاء بل دخلها بالاسلحة. نعم ـ مستمعي العزيز ـ لقد كان ذلك العالم الرباني لا يهاب الا الله عز وجل ومن اجل ان لا يقف أي حاجز في طريق اهدافه المقدسة فقد غض النظر عن الزواج ولم يتزوج خلال عمره الشريف وحين عرض عليه السلطان العثماني عبد الحميد الزواج من ابنته، قال: ان السلطان عبد الحميد يريدني ان اتزوج، وانا طلقت هذه الدنيا الجميلة الواسعة.
مستمعينا الافاضل ـ حكم بلاد الهند في القرن الثامن الهجري حاكم يسمى "محمد تغلق" عرف بالبأس والشدة، وقد عسكر مرة بالقرب من عالم اسمه "الشيخ قطب الدين منور" وجاء العلماء والشيوخ يسلمون عليه، اما الشيخ قطب الدين فلم يأته، فغضب الحاكم وطلبه الى دهلي عاصمة البلاد ولما حضر الشيخ ودخل الديوان الملكي، رأى الامراء والوزراء وكبار المسؤولين في البلاد واقفين في صفين متقابلين مسلحين في هيئة تنخلع منها القلوب وكان مع الشيخ ولده نور الدين، وكان حديث السن لم يزر بلاط ملك في حياته ففزع لهذا المنظر الغريب وامتلأ رعباً فناداه الشيخ قطب الدين بصوت عال قائلاً: يا ولدي العظمة لله!
يقول الفتى "نور الدين": لقد استشعرت بعد هذا النداء بقوة عجيبة وزالت الهيبة من نفسي وبدا الجميع عندي كأنهم ضأن او معز. وسأل الحاكم الشيخ وعاتبه قائلاً: اننا مررنا بزاويتكم فلم تشرفونا بزيارتكم؟ فأجابه الشيخ: انني لا استطيع ان اقابل الملوك لانني اعيش في عزلة وادعو للملك وللمسلمين كلهم فأرجو ان تعذروني ... وبعد ان انصرف الشيخ المؤمن "قطب الدين" (رحمه الله) قال الحاكم لوزرائه: لقد صافحت كثيراً من العلماء والشيوخ، فكانت ايديهم ترتعش خوفاً واشفاقاً اما هذا الشيخ فما وجدت في كفه ليناً او ضعفاً ولا ارتعاشاً، بل صافحني بقوة زائدة واعتزاز نفس ولقد ارسل اليه الحاكم مائة الف قطعة من الذهب فقال الشيخ الزاهد: سبحان الله، تكفيني "اقتان" من الرز وسمن بفلس واحد، ماذا افعل بهذا المال الكثير؟ ولكن قيل له: ان الحاكم يسخط اذا لم تقبل هديته، فقبل الشيخ الفي روبية فقط، وقسمها بين اخوانه واصحابه وذوي الحاجة.
اجل مستمعي الكريم ـ هكذا يفعل الايمان الحقيقي باهله فسلام على علماء الاسلام المخلصين من رب العالمين وحشرهم يوم القيامة مع النبيين والصالحين وحسن اولئك رفيقاً.
ذكر ان الواعظ التقي الشيخ محمد علي الخراساني "طيب الله ثراه" كان الى جانب زهده الذي كان الى حد انه لم يملك لنفسه داراً حتى آخر عمره، كان يعطي ما يحصل عليه من المال لكل من يراه محتاجاً سواء من طلبة العلوم الدينية او الناس العاديين. وحصل مرات ان رأى بعض الفقراء والضعفاء والسادة يحتاجون الى مساعدة وجيبه خال من النقود فيقترض لهم ثم يصلي صلاة الاستئجار فيسددها من مال الصلاة.
روي ان احد الزهاد مرة بباب الامير "ابن هبيرة" فاذا هو بالقرَّاء على الباب فقال: ما يجلسكم ها هنا؟ تريدون الدخول على هؤلاء الخبثاء؟
واضاف قائلاً: اما والله ما مجالسهم بمجالس الابرار تفرقوا فرق الله بين ارواحكم واجسادكم، قد شمرتم ثيابكم، وجززتم شعوركم، فضحتم القراء فضحكم الله، اما والله لو زهدتم فيما عندهم، لرغبوا فيما عندكم، لكنكم رغبتم فيما عندهم، فزهدوا فيما عندكم.
وختاماً ـ ايها الكرام ـ شكراً لكم على حسن المتابعة وجميل الاصغاء. وحتى اللقاء المقبل نستودعكم الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.