والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين ...
السلام عليكم ـ ايها الاعزاء ـ ورحمة الله وبركاته وأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء المتجدد معكم ونأمل ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً...
ذكر فضيلة السيد عبد الحميد الاصفهاني حفيد آية الله العظمى السيد ابي الحسن الاصفهاني(رض) المرجع المعروف الذي سادت رئاسته الدينية العالم الشيعي كله والمتوفى سنة 1365هـ انه قبل عشرين عاماً ذهب مع السيد محمد حسين مير سجادي للاعتكاف والصيام في مسجد الكوفة خلال الايام البيض من شهر رجب وقال: كنا نبحث عن غرفة داخل المسجد ولكن لم نحصل عليها بسبب كثرة المعتكفين فأخذنا غرفة عند الباب حيث لم يرغب فيها المعتكفون لكثرة الحركة والضجيج قربها، واذكر ان الطقس كان بارداً وفي الليلة الثانية من الاعتكاف دخل علينا اثنان من العرب وكان يبدو عليهما الوقار وعلمنا فيما بعد انهما من وجهاء منطقة العباسيات وهي منطقة زراعية تقع بين الحلة والكوفة تتبع محافظة الحلة ادارياً، وقد كان خادم المسجد قد عرفنا عليهما وعرفني باني حفيد المرجع الراحل السيد ابي الحسن الاصفهاني، وبعد شيء من الاحاديث الودية قال احدهما: اني اود اخبارك عن قصة وقعت لنا في العباسيات تعتبر كرامة لجدكم المرجع السيد ابي الحسن الاصفهاني(رض) قال: كان رئيس شرطة العباسيات رجلاً يشرب الخمر ويظلم الناس ولا يعرف لسلطته حدوداً ولا يلتزم بالصلاة ولا بأي واجب من الواجبات الدينية، فهو رئيس شرطة ولكنه كان يتصرف وكأنه رئيس دولة، ولم نجد نحن الوجهاء أي وسيلة لانقاذ المظلومين، وذات مرة كنت ذاهباً الى النجف الاشرف لزيارة مرقد الامام علي(رض) فطرأت عليَّ فكرة اللقاء بالسيد المرجع لاشتكي عنده حالنا.
وبالفعل تم اللقاء ـ والكلام ما زال للرجل الوجيه ـ وشرحت للسيد المرحوم حالنا مع ذلك الظالم فسألني متى ترجعون الى العباسيات؟ قلت: هذه الليلة فقال: اذهب الى هذا الرجل وقل له ان السيد يسلم عليك ويطلب حضورك عنده، وبالفعل ذهبت اليه وابلغته بذلك فقال: لا علاقة لي به ولا اعرفه ولست انا بهذا الوادي مالي والدين والعلماء؟ ولكنه تأمل قليلاً ثم قال: طيب انا اليوم حالق لحيتي احبذ حتى تخرج ثانية فنذهب معاً، وبعد ايام دخلت معه النجف الاشرف وزرنا مرقد الامام علي(رض) وكان لأول مرة في حياته يرى ذلك المشهد العظيم، ثم خرجنا متجهين صوب منزل المرجع الكبير السيد ابي الحسن(رض)، ودخلنا على السيد فقبلت يده الشريفة وكذلك فعل رئيس الشرطة، فرحب به السيد بحرارة وكأنه يعرفه منذ زمان، وكان رئيس الشرطة مرتبكاً في كلامه وتصرفه، واما انا فكنت شديد القلق لا أدري الى أين سينتهي اللقاء وماذا يقدر الله لي عندما نرجع الى العباسيات، كنت اخشى ان يكلمه السيد الاصفهاني بشيء فتأخذه العزة بالاثم ولكن العجب ان السيد لم يلمح له بانه يعلم عن ظلمه وطغيانه فكان يقول: ان الناس في العباسيات مسلمون وانا سمعت انك رئيس الشرطة هناك. فقال الرجل: نعم انا رئيس الشرطة في العباسيات... فقال له السيد: كم تعطيك الحكومة شهرياً؟ فأجاب: اربعة عشر ديناراً. قال السيد: عجيب انت رئيس شرطة ولك مصاريف كثيرة بحكم مكانتك بين الناس، اظن ان هذا الراتب لا يفي بجميع حاجاتك، فقال الرجل: نعم انه قليل، ولكن لابد من القناعة، فقال له السيد الاصفهاني: انا عندي في الحلة وكيل يجمع لي اموالاً من الحقوق الشرعية للمسلمين فيرسلها اليَّ سوف اكتب لك رسالة اليه ليعطيك من تلك الاموال اربعة عشر ديناراً كل شهر وهذا سرّ بيني وبينك ولا تطلع احداً عليه. فرح رئيس الشرطة بشدة، الا ان السيد اضاف قائلاً له: تعلم ان هناك فرقاً بين المال الذي تستلمه من الحكومة وبين الذي سوف تستلمه مني؟ فالمال الذي تأخذه مني مال حلال لا يعطى الا للمصلين فقال رئيس الشرطة مرتبكاً: نعم سيدي انا اصلي. وهكذا انقضت الجلسة وعند الوداع همس السيد في أذنه لا تنسى المواظبة على صلاتك في اوقاتها لانها تنهى عن الفحشاء والمنكر وتسعدك في الدنيا والآخرة. وعندما خرجنا من عند السيد تغير هذا الرجل بشكل عجيب وطلب مني ان ازوره كل يوم في بيته كي اعلمه الصلاة واعلم عائلته ايضاً الاحكام الشرعية فصارت زوجته وبناته يلتزمون بالصلاة والحجاب وحسن سلوكه مع الناس ولم يعد الى ظلمه وفساده قط والحمد لله رب العالمين على نعمة العلم والعلماء.
وفي الختام ايها الاعزاء ـ شكراً لكم على حسن المتابعة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.