والصلاة والسلام على خير البرية والأنام محمد وآله البررة الكرام ...
السلام عليكم ـ مستمعينا الافاضل ـ ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في برنامجكم هذا، نرجو ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
مستمعينا الاعزاء ـ ان عفة النفس كرامة انسانية وشرف نبيل وممن تحلى بها العالم التقي آية الله الشيخ الملا عباس سيبويه اليزدي رحمه الله فمنذ بداية شبابه الذي وظفه لطلب العلوم الدينية في حوزة كربلاء المقدسة حتى سنة 1280 الى 1329 هجري قمري استقام في روحيته العالية حتى اصبح علماً من اعلام الفقهاء الاتقياء.
واذا كان بعض الناس يرخص ماء وجهه فيريقه لحاجة مادية عند هذا وذاك ومن دون اعتبارات اخلاقية ولا ثمن للكرامة فان هذا الرجل العظيم ابت نفسه الكريمة ان تفعل ذلك، اذ كان وهو طالب يدرس يتحمل الجوع والعوز المادي ويتناول اردأ انواع الطعام كي يواصل اشباع جوعه المعنوي للعلم والمعالي... والعجب انه استطاع ان يخفي تعففه واستغناءه عن الناس طوال حياته فلم يعرف عن حاله احد الا ابنه "آية الله الشيخ محمد علي" الذي احاط باحوال ابيه فيما بعد حيث اخذ يعلمه دروس الحياة الكريمة وينقل اليه تجاربه الغنية بروح الشرف والاستقامة ...
وقد نقل الابن لولده قائلاً: ان والدي آية الله الشيخ ملا عباس رحمه الله حكى لي قصة فقره وزواجه قائلاً: لما عرض عليَّ العالم الفاضل الشيخ ملا رضا اليزدي رحمه الله ان اتقدم للزواج من كريمته اعتذرت منه لاني كنت صفر اليدين فقال: لا اطلب منك مالاً، لذلك تزوجت ولم يكن لديَّ مال ولا اثاث ولا ما يحتاجه الانسان المتزوج في بيته من ابسط اللوازم المنزلية. ويضيف قائلاً: عليه الرحمة والرضوان ـ ولم استطع حبس دموعي التي انهمرت على حالي عندما وجدت مهر زواجي اقل من مهر السنة ـ وهو مهر زواج السيدة فاطمة الزهراء(ع) والذي كان عبارة عن خمسة مئة مثقال فضة كما في اكثر الروايات، فتم زفافنا تلك الليلة في بيت خال من كل شيء سوى لحاف، متواضع نلتحف به وشيء بسيط كنا ننام عليه ... وهكذا مستمعي الكريم ـ كان علماؤنا الافاضل الذين استقاموا على مدارج الكمال المعنوي فصاروا قدوة في العفاف والكرامة والصبر والاستقامة حيث انطبق عليهم كلام الامام علي(ع) لكميل بن زياد(رض): (يا كميل مات خزان الاموال وهم احياء والعلماء باقون ما بقي الدهر اعيانهم مفقودة وامثالهم في القلوب موجودة). وقد تخرج ـ مستمعينا الاكارم ـ من هذه العائلة الكريمة علماء وخطباء وفقهاء انعم الله عليهم بالعلم النافع ووفقهم للعمل الصالح.
ونختم البرنامج ـ مستمعينا الكرام ـ بما رواه سماحة الشيخ محمد رضا النعماني الذي ظل ملازماً للشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر(رض) حتى يومه الاخير قائلاً: من المواقف التي لا زالت تؤثر في نفسي ولن انساها هو انه بعد مضي مدة من الحجز قامت السلطة البعثية العميلة بقطع الماء والكهرباء والتلفون ومنعت دخول وخروج أي انسان الى بيت السيد ... وقد نفدت المؤونة خلال فترة قصيرة، ولم يبق عندنا الا صندوق من الخبز اليابس التالف فبدأت عائلة السيد ترتب هذا الخبز كطعام شعبي ـ يعرفه العراقيون بالمثرودة، وبقينا مدة على هذه الحال، وفي يوم من الايام كنت بخدمة السيد الشهيد ظهراً نتغدى معاً ... فلاحظ السيد الشهيد في وجهي التأثر والتألم اذ كان يعز عليَّ ان ارى هذا الرجل العظيم على تلك الحال فقال لي(رض): والله ان الذَّ طعام ذقته في حياتي هو هذا، فقلت كيف؟ فأجاب السيد الشهيد: لانه في سبيل الله ومن اجل الله وقد ورد في الدعاء "اللهم بارك لنا في الخبز ولا تفرق بيننا وبينه فلولا الخبز ما صمنا ولا صلينا ولا ادينا فرائض ربنا".
في الختام نشكركم ايها الاعزاء ـ على حسن المتابعة وحتى اللقاء القادم نستودعكم الباري تعالى والسلام عليكم.