السلام عليكم ايها الأحبة ورحمة الله، مدح الله عزوجل الموفين بالعهود في كتابه الكريم ودعا المؤمنين بالوفاء بالعهد وإعتبره من أخلاق أحبائه الصادقين، وعندما نرجع الى سيرة مولاتنا الصديقة الكبرى نجد هذا الخلق العظيم يتجلى فيها بأسمى مراتبه وبجميع مصاديقه، فنجدها صلوات الله عليها وفية ملتزمة بما عاهدت الله عليه في الدفاع عن رسوله ورسالته بكل وجودها، وعن وليه والوصاية الكبرى متحملة في ذلك أصعب المشاق واشد الأذى الذي أدى الى أن ترحل لربها صديقة شهيدة. إن الناس بفطرتهم يمدحون ويثنون على من يفي بالعهود حتى إذا لم يواجه في وفائه بالعهود صعوبات تمنعه من الوفاء بالعهد، وإذا لم يف بالعهد بسبب وجود هذه الصعوبات فإن الناس قد يعذرونه أو يلتمسون له الأعذار، أما إذا بقي ملتزماً بالعهود مع وجود هذه الصعوبات، فإنه ينال منه كل التقدير والاحترام لأن ذلك أمرٌ تدعو له الفطرة السليمة.
وخلق مولاتنا الزهراء البتول في وفائها بالعهود هو من النوع الثاني الذي تجلى في نماذج تحيّر العقول حقاً فلا يمكن للإنسان ذي الفطرة السليمة إلا أن يقف أمامه موقف الإجلال والتعظيم والدعاء من الله عزوجل أن يرزقه قبسة من نورانية هذا الوفاء الفاطمي بالعهود.
مستمعينا الأفاضل، نكتفي هنا بنموذج واحد بسيط لكنه معبّر للغاية في بيان عظمة الوفاء الفاطمي بالعهود، فقد روى المؤرخون من مختلف المذاهب الإسلامية أنه عندما أهدى رسول الله صلى الله عليه وآله فضة الجارية للزهراء عليها السلام لكي تعينها على الخدمة، خرقت فاطمة المألوف الإجتماعي في التعامل مع الخدم والمستخدمين، وقسمت الخدمة بينها وبين جاريتها بأن تعمل كل منهما يوماً وتستريح اليوم الثاني، وعاهدتها على ذلك، وبقيت ملتزمة بذلك في أصعب الأحوال.
أجل، فقد روى السيد الجليل قطب الدين الراوندي في كتابه القيم (الخرائج) ما ملخصه أن سلمان الفارسي المحمدي رضوان الله عليه دخل بيت فاطمة فرآها تطحن بالرحى وقد سال الدم من كفها والحسين وليد يتضور جوعاً في ناحية الدار، فقال لها: يا بنت رسول الله، لقد دبرت كفاك [أي جرحت من الطحن]، وهذه فضة أي أنه رحمه الله إستغرب أن تتحمل كل هذا الأذى ولا تطلب من جاريتها فضة أن تعينها، فأجابته صلوات الله عليها: بأن يوم أمس كان يوم خدمة فضة واليوم هو يوم إستراحتها، فلا تطلب منها القيام بشيءٍ من أعمال البيت لأنها عاهدت على تقسيم الخدمة بينها وبين خادمتها!.
رزقنا الله وإياكم أيها الاخوة والأخوات حسن التأسي والإقتداء بما نطيقه من أخلاق مولاتنا الزهراء المرضية صلوات الله عليها إنه لطيف خبير. وبهذا ينتهي أيها الأعزة لقاء اليوم من برنامج من الأخلاق الفاطمية إستمعتم له من طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، شكراً لكم ودمتم في رعاية الله.