من إخلاق مولاتنا الزهراء عليها السلام جميل المواساة للمؤمنين فيما ينزل بهم من مصائب. وقد رويت في سيرتها صلوات الله عليها عدة رواياتٍ تدعونا الى التأسي بها في هذا الخلق النبيل، منها ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه لما وصل نبأ إستشهاد جعفر بن أبي طالب عليهما السلام في واقعة مؤته أمر رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة عليها السلام أن تتخذ طعاماً لزوجته أسماء بنت عميس رضي الله عنها ثلاثة أيامٍ وتأتيها وتسليها ثلاثة أيام. فقامت عليها السلام بذلك، وجرت السنة النبوية أن يصنع لأهل المصيبة الطعام ثلاثة أيام.
ومن طرق الجمهور روى المنذري في كتاب الترغيب والترهيب وكذلك في المسند الجامع وغيره عن عبد الله بن عمرو قال: قبرنا مع رسول الله {يعني دفنا ميتاً} فلما فرغنا إنصرف رسول الله وإنصرفنا معه، فلما حاذى رسول الله بابه وقف، فاذا نحن بأمرأةٍ مقبلةٍ، قال أظنه عرفها، فلما ذهبت إذا هي فاطمة، فقال لها رسول الله: ما أخرجك يا فاطمة من بيتك؟ فقالت: أتيت يا رسول الله أهل هذا الميت فترحمت إليهم ميتهم وعزيتهم به، فقال: لعلك بلغت معهم الكُدا فقالت: معاذ الله.
مستمعينا الأكارم، وقبل أن نتابع الحديث نشير الى قوله صلى الله عليه وآله في الحديث الثاني "لعلك بلغت معهم الكدا"، فنقول إن معنى (الكدا) هو تجاوز الحد في التفجع على الميت، ومعنى سؤاله صلى الله عليه وآله هو أنك هل جاريت أهل الميت في تفجعهم على عزيزهم حتى تجاوزوا الحدّ الى الجزع المنهي عنه في غير مصائب سيد الشهداء الحسين عليه السلام فأجابته عليها السلام: معاذ الله. أي نفت أن تكون قد جارتهم الى حدّ الجزع. ولا يخفى عليكم مستمعينا الأفاضل أن رسول الله صلى الله عليه وآله عارف بالكامل بخلق بضعته الزهراء عليها السلام لذلك فإن فيما قاله تنبيهاً لمن حوله بأن التفجع في المصاب لا ينبغي أن يتجاوز الحد على الجزع، ولا ينبغي أن يشتمل على ما فيه شئٌ من الإعتراض على الله عزوجل والعياذ بالله.
من هنا يتضح أن سؤال النبي صلى الله عليه وآله وجواب فاطمة يكشف عن أن خلق الزهراء العطوفة على خلق الله عزوجل هو مواساة المسلمين في مواقع المصيبة من جهة ومن جهة ثانية إعانتهم على تحمل وقع المصيبة بتسليتهم بها والترحم على ميتهم والدعاء له وطلب المغفرة له وغير ذلك، ومن جهة ثالثة إعانتهم على التسليم لأمر الله عزوجل والرضا بقضائه خاصة في مواقع نزول البلاء، وبالتالي إنقاذهم من الوقوع فيما لا يرضاه عزوجل من تجاوز الحد في التفجع أو الاعتراض على قضائه وهو جل جلاله أرحم الراحمين.
وها نحن نصل إخوتنا وأخواتنا الى ختام حلقة اخرى من برنامجكم هذا من الأخلاق الفاطمية قدمناها لكم من طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، وفقنا الله وإياكم للتخلق بأخلاق بضعة المصطفى وأشبه الخلق به صلى الله عليه وآله. دمتم في رعاية الله والسلام عليكم.