السلام عليكم مستمعينا الأكارم، صبر الصديقة الكبرى هو أيها الأخوات والاخوة المثل السامي لصبر أولياء الله الذين عرفوا الله عزوجل حق معرفته وشاهدوا جميل صنعه بعباده في السراء والضراء. إن الثابت في سيرة مولاتنا فاطمة أنها صلوات الله عليها عاشت حياةً في غاية الصعوبة من الناحية المادية، فهي التي كانت تنفق ما عندها على فقراء المسلمين وتؤثر الحياة الشاقة في سبيل الله عزوجل. كما أنها صلوات الله عليها تحملت أشكال الأذى المعنوي والبدني من أسرى الحسد والبغي والنفاق والعصبيات الجاهلية في حياة أبيها، وبعد رحيله المفجع صلى الله عليه وآله حتى قضت نحبها سلام الله عليها بسبب هذا الأذى والجفاء ورحلت الى ربها صديقة شهيدة لكنها صلوات الله عليها صبرت على كل هذه الإبتلاءات والمشاق بروحٍ مفعمة بالرضا بالقضاء الإلهي والتسليم للتقدير الرباني وهي تحمد الله بحمد الشاكرين له في الضراء على أن جعل صبرها القدسي وسيلة لحفظ دينه وهداية عباده إلى نهجه القويم.
ننقل لكم أيها الأعزاء نموذجاً لهذا الصبر الفاطمي الشكور رواه الثعلبي في تفسيره المعروف وكذلك روي في تفسير القشيري عن جابر الأنصاري قال: رأى النبي صلى الله عليه وآله فاطمة عليها السلام وعليها كساءٌ من أجلة الأبل (وهو مستمعينا الأفاضل أكثر الملاحف تواضعاً يومذاك)، قال جابر رآها وهي تطحن بيديها وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: "يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة"، فقالت عليها السلام: يا رسول الله، الحمد لله على نعمائه والشكر لله على آلائه. قال جابر: فأنزل الله قوله تعالى: "ولسوف يعطيك ربك فترضى".
مستمعينا الأكارم، إن الله عزوجل هو أشكر الشاكرين ولا ريب أنه يحيط بلطفه الخاص من يشكره ومن يتحلى بهذا الخلق الفاطمي في الصبر ويعينه عليه. وهذا من صنيعه بصفيته الزهراء عليها السلام، لاحظوا اعزاءنا الرواية التي رواها كثيرٌ من حفاظ أهل السنة كالخوارزمي في مقتل الحسين عليه السلام عن زوجة النبي ميمونة بنت الحارث أن رسول الله قال لها: إذهبي بهذا الصاع الى فاطمة تطحنه لنا، فبينما هي تطحنه إذ غلبتها عينها فذهب بها النوم، قالت ميمونة: فأطلعت في الباب فرأيت فاطمة نائمة والرحى تدور. ثم رجعت ميمونة الى رسول الله متعجبة وأخبرته بالأمر فقال صلى الله عليه وآله: "رحم الله جل جلاله أمته فاطمة حيث رأى ضعفها فأوحى الى الرحى فدارت"، فجاءت ميمونة الى طعامها وقد فرغت الرحى من طحنه.
رزقنا الله وإياكم إخوة وأخوات الإيمان حسن التأسي بسيدة الصابرات مولاتنا الصديقة الكبرى صلوات الله عليها اللهم آمين، وبهذا ينتهي لقاء اليوم من برنامج من الأخلاق الفاطمية، قدمناه لكم من إذاعة طهران، تقبل الله منكم جميل الإصغاء ودمتم بكل خير.