إخوتنا الأعزة الأكارم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إذا كانت الأخلاق حالات تظهر في الناس صوراً متفرّقة، فإنّها في أهل البيت النبويّ الطاهرة تتجمّع فيها المكارم والفضائل مرّة واحدة، منبثقة من الطاعة لله، وواقعة في مرضاة الله... حتّى نراهم سلام الله عليهم في الموقف الواحد، والحديث الواحد، يرشح عنهم أكثر من خلق كريم، وتوجّه رحيم.
وذلك ما عرفت به الصدّيقة الزهراء فاطمة عليها السلام، فقد تعاملت بالرحمة، والإخلاص، والرفق والشفقة، وهي إلى ذلك تلك المرأة البارّة الوصولة، والوفية الغيورة.
جاء في كتاب (الخصال) للشيخ الصدوق، أنّ إحدى زوجات النبيّ صلى الله عليه وآله أقبلت على فاطمة فصايحتها، وقالت لها: يا بنت خديجة! ما ترين إلّا أنّ لأمّك علينا فضلاً، وأيّ فضل كان لها علينا؟! ماهي إلّا كبعضنا.
فأخذتها الغيرة على أمّها وهي تذكر فضائلها ومواقفها، فما رأت أباها حتّى بكت، فلمّا سألها عمّا يبكيها قالت: ذكرت أمّي فتنقّصتها، فبكيت.
فغضب رسول الله وقال لتلك: مه يا فلانة! "فإنّ الله تبارك و تعالى بارك في الودود الولود، وإنّ خديجة – رحمها الله – ولدت منّي طاهراً... وولدت منّي القاسم و فاطمة... وأنت ممّن أعقم الله رحمه فلم تلدي شيئا!". وهكذا قمعت فاطمة حسداً وحقداً وغيبة، وأظهرت لأمّها الطاهرة خديجة فضلاً على لسان الصادق المصدّق رسول الله صلى الله عليه وآله، وإلى ذلك كانت بارّة بوالدتها رضوان الله عليها.
ونقرأ – أيها الإخوة الأعزّة – في (ذخائر العقبى) للطبري الشافعيّ محبّ الدين، و(فرائد السمطين) للجويني الشافعي، و(المناقب) للخوارزميّ الحنفيّ... وغيرهم، عن أبي أيوب الأنصاريّ أنّ رسول الله صلى الله عليه واله مرض مرضة، فأتته فاطمة عليها السلام تعوده، فلمّا رأت ما به من الجهد والضّعف خنقتها العبرة حتّى جرت مدامعها على خدّها، فقال لها أبوها يطيب خاطرها: "يا فاطمة، إنّ الله جلّ ذكره اطّلع إلى الأرض اطّلاعة فاختار منها بعلك، فأوحى إليّ فأنكحتكه، أما علمت – يا فاطمة – أنّ لكرامة الله إياك زوّجك أقدمهم سلماً، وأعظمهم حلماً، وأكثرهم علماً". فسّرت بذلك فاطمة واستبشرت. ثمّ ذكر لها شيئاً من فضائل عليّ وأهل بيتها عليهم السلام.
و (في تأويل الآيات الظاهرة) للأسترآباديّ، وتفسير (البرهان) للبحراني عن أنس بن مالك، أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله لمّا ثقل من مرضه، ضمّته فاطمة إلى صدرها وقالت: واكرباه لكربك يا أبتاه. فهدّأها صلى الله عليه وآله قائلاً لها: لا كرب على أبيك بعد اليوم. ولمّا اشتد به وجعه الذي توفّي فيه، جعلت فاطمة عليها السلام تبكي وتقول: أنت والله كما قال القائل:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه
ثمال اليتامى عصمة للأرامل
فأفاق صلى الله عليه وآله فقال: هذا قول عمّي أبي طالب.