الحمد للهِ العفوّ الغفّار، وأزكى صلواته على حبيبهِ النبيّ المختار، وعلى آله الطيين الأطهار.
السلامُ عليكم- إخوتنا وأعزّتنا المؤمنين- ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.
إذا كانت الشَّجاعةُ عند الناس تعني الغلبةَ بأيّ أسلوبٍ ولأيِّ هدف، أو كانت عندهم تقتضي التهوّر والانتقام والتفاخروإفراغَ الغضب الشيطانيّ ولو بالظّلم والتجاوز والاعتداء...فإنّ الشجاعة ظهرت في أهل البيت النبويّ الشريف سجيةً إيمانية تغضب لله وحده تبارك وتعالي، وتقصد العدلَ وإحقاقَ الحقّ وإبطال الباطل، وكسر َشوكة الكفر والنفاق والظلمِ والخيانةِ والانحراف. ومن هنا- أيها الإخوةُ الأكارم- تجلّت شجاعةُ أهل البيت عليهم السلام في مواقفَ وقضايا خاصّةٍ أنقذتِ الإسلامَ من الانكساروالتشويه، كما أنقذتِ المسلمين من الانهيار والعودةِ إلى الجاهلية الأولى والفساد والضّلال.
ثمَّ – أيها الإخوةُ الأفاضل- لم تقتصرالشجاعة عند أهل بيت الوحيِ والرسالة على الرجال، فقد ظهرت في نسائهمُ المكرّماتِ أيضاً، مع شدةِ حيائهنّ وعفافهنّ وجلالة قدرهنّ وخدرهنّ، فوقفنَ رضوانُ اللهِ عليهنّ يحمينَ الرسالةَ والرسول، ويدافعنَ عن حمى الإسلام وحصونه، كما كان ذلك من صفيةَ عمّةِ النبيّ صلى الله عليه وآله في بعض المعارك، وما كان أيضاً قبلها من ثبات خديجةَ الكبرى عليها السلام إلى جنبِ رسول الله صلى الله عليه وآله ومناصرتها له حتّى هجرتها نساء عشيرتها.
ومن بعد خديجةِ (ع) جاءت ابنتُها الصدّيقة الزهراءُ فاطمة صلواتُ اللهِ عليها، فنافحت ودافعت عن النبوّة، وتحمّلت المشاقَّ والآلام ومعاناةَ الهجرة بصبرٍ وشجاعةٍ وتضحيةٍ وثبات...ثمّ دافعت عن الإمامة بتحمّلٍ عجيبٍ ومجاهدةٍ عليا، حتّى فدت نفسها المقدّسةَ من أجلها، بجهدها وجهادها وصبرها ومعاناتها، وشهادتها، فثبّتت بذلك بلاغاتِ القران الكريم، وبلاغات النبيّ العظيم، ونشرت حقائق الرسالة وشرائع الدينِ الحقّة، وبينت واجباتِ المسلمين تجاهَ وصايا رسولِ الله لما بعد رحيله المفجع صلواتُ الله عليه وآله.
فنهضت صلواتُ الله عليها بأعباءِ مسؤولياتٍ كبري، تستدعي شجاعةً فائقة، وتحمُّلَ آلامٍ عظمى كان فيها حياتُها المقدّسة، وبذلك أحيتِ الإسلامَ الحقيقيَّ في الضمائر والقلوب، وفي العقول والنفوس، وذلك على مدى هذه الأحقابِ والعصور والأجيال...مثبّتةً معالمَ الإمامة إلى يومنا هذا وإلى ظهورالمنجي المنتظر المهديّ صلواتُ الله عليه، ومبطلةً كلَّ تزوير ٍوتحريف واغتصابٍ أريد به استلابُ الحقِّ من أهله، أوتغييرِسننِ النبيّ وثوابتِ الدين الحنيف.
أجل...هكذا أقدمت مولاتنا الصدّيقة الزهراء سلام ربّنا عليها، وحقّقت ما أرادت بجلدٍ وحكمةٍ وإقدامٍ دونَ أيّ تراجعٍ عن أيّ حقٍّ إلهيّ...فأيّ شجاعةٍ كانت تلك التي ظهرت من الزهراء فاطمة؟! وأيَّ مواقفٍ وقفت تلك المرأة في وجه جموع الانحراف؟! وهي تعول أسرةً وتجاهد آلاماً وأحزاناً بعد فقدِ أبيها رسول الله، وانقلاب الناس على وجوههم! ثمَّ أيَّ دويٍّ خلّفته الزهراءُ عن خطبها التي لا تزال ترنُّ في أسماع الدهر والتاريخ والأجيال على مدى القرون ما تنبّهِ الغافلين، وتُلقي الحُججَ البالغةَ على دعاوى الواهمين والموهمين؟!
فسلامٌ عليك يا مولاتي يا فاطمة، من امرأةٍ سجدتِ الشجاعةُ على قدميها؛ لأنّها الأبية التي رفضتِ الباطل؛ ولأنّها الغيورةُ التي حرصَت كلَّ الحرص على سلامةِ الرسالةِ ونقائها؛ ولأنّها سيدةُ نساء العالمين بحقّ من الأوّلين والآخرين بلا مضاهيةٍ لها أبداٌ من قبلُ ومن بعد.
وسلامٌ عليكِ – مولاتنا- صَدعتِ بالحقِّ فطبّقَ الآفاقَ وأنار الطريقَ للسالكين إليه، ودمغتِ الباطل فخُذِل ولم يعش بعدَكِ إلاّ ذليلاً يلتحفُ الخزيَ والخيبة، ويتخبّطُ في المغالطاتِ والمتناقضاتِ الفاضحة!