الحمدُ للهِ وليّ نعمتنا، وأزكى الصلواتِ على رسولهِ سببِ هدايتنا، وعلى آلهِ أهلِ شفاعتنا وولايتنا.
أيها الإخوةُ الأعزّة…السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاته.
إنّ الصدّيقةَ الزهراءَ عليها السلام - وهي سيدة نساء العالمين، من الأوّلينَ والآخرين، كانت جوهرةً إلهيةً قدسية، نزلت فيها آيةُ التطهير قوله تبارك وتعالي: "إنّما يريد اللهُ ليذهب عنكم الرّجسَ أهلَ البيت ويطهّركم تطهيرا"، فما كانُ ينتظرمنها إلاّ النقاءُ الأنقي، والشرف الأتمُّ الأكمل، والنزاهةُ العليا عن كلِّ ما يشوب ويخدش ويخلّ بالعصمة والقداسة والحياء. وكانت كما أنتظرُ وأسمى، تجلببت بالحياء فأفتخر بها، والتحفت بالعفاف فتشرّف بها، حتى أصبحت قدوةً فضلى لجميع العهود والعصور والأزمان.
إخوتنا الأعزِّة الأفاضل… بنتٌ مثلُ الزهراء تستحي من أبيها رسول الله صلّى الله عليه وآله أن تطلب منه شيئاً هي في أشدّ الحاجة إليه، هذا لا يتوقّع من النساء الأخريات، ولكن روى السيوطيُّ الشافعيُّ في (مسند فاطمة) والمحبُّ الطبريُّ في (ذخائرالعقبى)، والشيخُ الصدوق في (علل الشرائع) وغيرهم عن الإمام عليٍّ عليه السلام في حديثٍ له بعد ما رأى فاطمةَ عليها السلام قد أثّرت فيها خدمةُ البيت حتّى مجلت يداها من طحنها بالرّحى، وآذاها صدرُها ممّا استقت بالقربة، ودكنت ثيابها مما أوقدت تحت القدر…فأصابها ضررٌ كبير، فدعا أن تسألَ أباها النبيَّ صلّى الله عليه وآله خادمة تكفيها ضر ماهي عليه من اعمال البيت فأستجابت ألصديقة ألزهراء لدعوة زوجها فأتت اباها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فوجدت عنده حدّاثاً فأستحيت، وانصرفت فعَلِم أنّ ابنتَه جاءت لحاجة، فغدا صلّى الله عليه وآله عليها، قال عليٌّ سلامُ الله عليه: فقال السلامُ عليكم، فسكتنا واستحيينا لمكاننا…فسألها: يا فاطمة، ما كانت حاجتُك أمسِ عند محمّد؟ قال عليٌّ صلواتُ الله عليه: فخشيتُ إن لم نُجبه أن يقوم، فقُلتُ: أنا واللهِ أُخبرُك يا رسول الله، فأخبره عمّآ عانته فاطمةُ عليها السلام وأنّها بحاجةٍ إلى خادمة، وأنّ ذلك كان من اقتراحه عليه السلام عليها، فقال لهم رسولُ الله صلى الله عليه وآله: "أفلا أُعلّمكما ما هو خير ٌلكما من الخادم، إذا أخذتُما منامَكما، فسبّحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدَا ثلاثاً وثلاثين، وكبّرا أربعاً وثلاثين"، فما كان من الصدّيقة الطاهرة إلاّ أن بادرت تقول: "رضيتُ عنِ اللهِ ورسوله، رضيتُ عن اللهِ ورسولِه، رضيتُ عنِ اللهِ ورسولِه".
أجل- أيها الإخوةُ الأحبّة - فقد كان من الزهراء فاطمةَ صلواتُ الله عليها حياءٌ ومنعة، وعدمُ تكليف أبيها قضاءَ حاجةٍ لها، كما كان منها رضى عن الله ورسوله، وصبرٌ على ما شقّ عليها من أعمال البيت.
ان من شدّةِ حيائها سلامُ الله عليها أنّها لا تعتذرُ لأبيها عن أيٍّ طلبٍ يطلبه ولو كانت في حرجٍ وضيقٍ وخصاصة جاء في كتاب (الثاقب في المناقب)
لابنِ حمزةَ الطوسيّ، و(مدينة المعاجز) للسيد هاشم البحرانيّ…عن العقيلةِ زينبَ ابنةِ أميرالمؤمنين عليه وعليها السلام حدّثت قائلةً: "صلى أبي مع رسول الله صلّى الله عليه وآله صلاةَ الفجر، ثمّ أقبلَ على عليٍّ عليه السلام فقال: هل عندكم طعام؟ فقال: لم آكل منذُ ثلاثةِ أيامٍ طعاماً. قال: امضِ بنا إلى ابنتي فاطمة".
تقول زينب الكبرى عليها السلام: فدخلا عليها وهي تتلوّى من الجوع وابناها معها، فقال صلّى الله عليه وآله: يا فاطمة، فداكِ أبوكِ هل عندكِ طعام؟ فاستحيت وقالت: نعم.
ثمّ قامت وصلّت، ثمّ سمعت حسّاً، فألتفتت، فإذا بصحيفةٍ ملآنةٍ ثريداً ولحماً.
أجل…كان من حيائها صلوات الله عليها أنّها لم تستطع أن تقول لرسول الله وهو أبوها أنّها لا تمتلك طعاماً له حين سألها، فأجابته على الفورِ من شدّة حيائها بـ ((نَعَم))، فصدّقها اللهُ تعالى بتلك الكرامة ما رفع بها حرجَها وحياءها من أبيها المصطفى صلى الله عليه وآله.