السلام عليكم – إخوتنا المؤمنين الأعزّة – ورحمة الله وبركاته.
الكرم خلق إلهيّ تخلّق به الأنبياء والأوصياء والأولياء، ففاضوا على البرية بنعمة الإيمان والهداية والتقوى ومكارم الأخلاق، وقد تجلّى هذا الخلق الشريف – بأبهى حالاته وصوره في محمّد وآله محمد صلوات الله عليهم جميعاً.
فأصبح الكرم جوداً فياضاً، ورحمة شاملةً، وخيراً مباركاً، والصدّيقة الزهراء فاطمة سلام الله عليها وعلى أبيها و بعلها وبنيها هي من الشجرة النبوية التي أصلها سماويّ مغدق، وقد جعل الله تبارك و تعالى هذه الشجرة مدرّة بالنّعم على الأجيال: مادّية ومعنوية، فمنها: الهدى والتّقى، ومنها موارد العيش.
ويكفي أن يذكر في العطاء الفاطميّ المبارك أنّ إحدى موقوفات الصّديقة الكبرى فاطمة عليها السلام قرية تسمّى باسمها الشريف.
هذا ما أحببنا التعرّف عليه، بعد هذه الوقفة القصيرة.
روى ابن شهر آشوب المازندرانيّ السّرويّ في مؤلّفه القيم (مناقب آل أبي طالب) أنّ الإمام موسى الكاظم عليه السلام قال لأحد الأصحاب في شأن امرأة موالية مخلصة، اسمها ((شطيطة)): ((أبلغ شطيطة سلامي، وأعطها هذه الصّرّة – وكانت أربعين درهماً. وأهديت لها شقّة من أكفاني من قطن قريتنا (صيدا) قريه فاطمة عليها السلام...)).
وفي كتابه (المنتظم في تاريخ الأمم والملوك) كتب ابن الجوزي حول جبال المدينة المنورّة، حتّى قال: والأسود جبل من أشمخ ما يكون من الجبال يقال له (آرة)، وهو جبل أحمر، تخرج من جوانبه عيون، على كلّ عين من جانبه قرية. منها قرية غنّاء كبيرة يقال لها الفرع، وهي لقريش والأنصار مزينة، ومنها أمّ العيال قرية صدقة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله.
و تأكد هذا الأمر في مصادر عديدة، كان منها: وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى للسّمهوديّ الشافعيّ، ومعجم البلدان لياقوت الحمويّ، ومراصد الاطّلاع لصفّي الدين البغداديّ الحنبليّ، والأعلام للزّركليّ... وغيرها، فجاء فيها:
أن أمّ العيال عين جارية، ببركتها أسّست عندها قرية كبيرة، وهي بقرب قلاع ((أرة)) بين طريق مكة والمدينة، وكان فيها – بعد تأسيسها وعمرانها – عشرون ألف نخلة، وهكذا اليوم، وكان هناك أثمار مختلفة كالعنب والموز واللّيمون وغيرها، وهي على بعد مئة وسبعين كيلومتراً عن المدينة المنوّرة.. قيل: وتسمّى هذه القرية: صدقة فاطمة الزهراء عليها السلام وموقوفاتها، وهي موقوفة على السادات الحسينيين.
هكذا – أيها الإخوة الأحبّة – عطاء فاطمة سلام الله عليها، خير يدرّ، وفضل يبارك، وذكرى تبعث المودّة والولاء لآل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم.
وكان من لطفها صلوات الله عليها أن نسجت لزوجها أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام قميصاً من غزل يدها الشريفة، فارتداه وهو يجد فيه نفحات الهية زاكية، استعان به، ونظر إليه أنّه كرم فاطميّ أغدقته عليه سيدة نساء العالمين فاطمة صلوات الله عليها، وبقي على بدنه ذكرى طيبة يعقبها بدعوات بعد شهادتها سلام الله عليها. وذلك جميل من الزوجة أن تكرم زوجها بهدية كريمة فيها جودها و محبّتها معاً، وجميل أيضاً أن يكون له أثر على زوجها يذكرّه بها إذا فارقها، فيذكرها بكلّ خير وأحسن دعاء، لأنّه يرى في ذلك عنايتها ومودّتها قد عبّرت عنهما من خلال كرمها وهديتها التي فاحت محبّة وحفاضاً وسكناً.
كتب ابن شهرآشوب في (مناقب آل أبي طالب): كان لعليّ عليه السلام قميص من غزل فاطمة عليها السلام، يتّقي به نفسه في الحرب. ربّما كان ذلك في حياتها المباركة وبعدها، وفي خبر يرويه الأصبغ بن نباتة وهو أحد أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام أنّ علياً عليه السلام خاطب الناس قائلاً: دخلت بلادكم بأشمالي هذه وراحلتي ها هي، فإن أنا خرجت من بلادكم بغير ما دخلت فإنّني من الخائنين. وفي رواية قال: "يا أهل البصرة! ما تنقمون منّي؟! إنّ هذا لمن غزل أهلي" وأشار إلى قميصه.