إخوتنا الأفاضل... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن الجود حالة أخلاقية تنطلق من النفس عن رحمة بالآخرين أو اكرام لهم، وعن زهد بما في اليد وعزّة وكرامة، فيأبى الكريم على نفسه أن يجد محروما محتاجا وهو ينعم بما يفتقر إليه غيره، فنراه يعطي ليرضي بذلك ضميره، ويرضي قبل ذلك ربّه تبارك وتعالى حيث تخلّق بأخلاق الله عزّوجلّ.
والجود عند مولاتنا الصديقة فاطمة عليها السلام – أيها الإخوة الأعزّة – بلغ شأوا أنزل من عند الله سبحانه آيات تتلى آناء الليل وأطراف النهار، وكفى به شرفا وسعادة في الدنيا والآخرة، لننظر كيف جرى ذلك، بعد هذه الوقفة القصيرة.
في (شواهد التنزيل) للحاكم الحسكاني الحنفيّ، و(مناقب أبي طالب) لابن شهرآشوب، وغيرهما.. عن أّبي هريرة أنّ رجلا جاء الى رسول الله صلى الله عليه وآله فشكا إليه الجوع، فبعث رسول الله إلى أزواجه، فقلن: ما عندنا إلّا الماء، فقال صلى الله عليه وآله: من لهذا الرجل الليلة؟ فقال عليّ: أنا يا رسول الله. فأتى فاطمة عليها السلام وسألها: ما عندك يا بنت رسول الله؟ فقالت: ما عندنا إلّا قوت الصبية، لكننا نؤثر ضيفنا به، فقال عليّ عليه السلام: يا بنت محمد، نوّمي الصبية وأطفئي المصباح، وجعلا يمضغان بألسنتهما لئلّا يشعر الضيف بقلّة الطعام، فلمّا فرغ من الأكل أتت فاطمة بالسراج فوجدت الجفنة مملوءة من فضل الله تبارك وتعالي.
فلمّا كان الصباح، صلى أميرالمؤمنين عليّ خلف النبيّ صلى الله عليه وآله، فلمّا انتهي النبيّ من صلاته التفت إلى عليّ عليه السلام فبكى بكاء شديداً، وقال له: يا أميرالمؤمنين، لقد عجب الربّ من فعلكم البارحة، إقرأ: (سورة الحشرالآية ۹)
"وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ" أي مجاعة، " وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ" يعني علياً وفاطمة والحسن والحسين، " فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"
بعد هذه الرواية، أورد الحسكاني الحنفيّ سنداً انتهى إلى مجاهد، حيث نقل هذا أنّ عبدالله بن عبّاس قال في الآية المباركة:
" ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة" : نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.
وكما سبق أن ذكرنا – أيها الإخوة الأحبّة – أنّ الصّديقة الزهراء صلوات الله عليها في أخلاقها الفضلى كانت مجمع أكثر من فضيلة ومنقبة وكرامة، فقد كان منها في هذا الموقف الكريم رحابة صدر في قبول الضيف مع عسر الحال وقلّة ما في اليد، كما كان منها إعانة لزوجها في ساعة حرجة، كذا كان منها ضيافة كريمة ارتقت إلى إيثار عجب الله جلّ وعلا له، وكفى بذلك شرفاً، وفخراً لمحبيها صلوات الله
عليها.
في (الخرائج والجرائح) لقطب الدين الراونديّ، و(مقتل الحسين) للخوارزميّ الحنفيّ، و(فرائد السمطين) للجوينيّ الشافعيّ... وغيرها، عن جابر بن عبدالله الأنصاريّ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله أقام أياماً ولم يطعم طعاماً حتّى شقّ عليه ذلك فطاف على أزواجه فلم يصب عند إحداهنّ شيئاً، فأتى فاطمة ابنته فقال: يا بنية، هل عندك شيء آكله؟ قالت: لا والله بنفسي وأخي. فلمّا خرج بعثت جارية لها رغيفين وبضعة لحم، فأخذته عليها السلام ووضعته تحت جفنة وغطّت عليها، ثمّ قالت:
والله لأوثرنّ بها رسول الله على نفسي وغيري. وكانوا محتاجين إلى شبعة طعام. فبعثت حسناً وحسيناً إلى رسول الله، فرجع إليها، فكشف الجفنة فإذا هي مملوءة خبزاً ولحماً، فلمّا نظرت إليها عرفت أنّ ذلك من عندالله، فحمدت الله وصلّت على نبيه أبيها وقدّمته إليه.
فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله إلى عليّ فدعاه وأحضره، وأكل هو وعليّ وفاطمة والحسن والحسين، ثمّ جميع أزواج النبيّ حتى شبعوا. قالت فاطمة عليها السلام: "وبقيت الجفنة كما هي، فأوسعت منها على جميع جيراني، جعل الله فيها بركة وخيرا كثيرا" .
وبهذا ينتهي لقاوءنا بكم في ثامنة حلقات برنامج من الاخلاق الفاطمية تقبل الله اعمالكم والى اللقاء.