إخوتنا الأعزّه الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن البنت في بيت أبيها قد تكون عليها حقوق ووظائف معينة تجاه أبويها، لكنّها إذا تزوّجت ثمّ أصبحت أمّا، تعددت مسولياتها واتّسعت دائرة خدماتها، بل و تنوعّت فضائلها، فتجمع إلى برّ الوالدين حسن التبعّل مع زوجها، وحسن المعاشرة مع أسرتها، بل وتجمع إلى مرضاة أبويها مرضاة زوجها، وذلك من دواعي مرضاة الله تبارك وتعالى؛ إذ ليس قليلاً عنده عزّوجلّ أن يرضى الرجل عن امرأته الى آخر حياتهما.
جاء في (روضة الواعظين) للفتّال النيسابوريّ أنّ الزهراء فاطمة عليها السلام وهي في ساعاتها الأخيرة أخذت توصي أميرالمؤمنين عليه السلام ببعض وصاياها الخاصّة، وكان قد جلس عند رأسها بعد أن أخرج من كان في حجرتها، فقالت له: يا ابن عمّ، ما عهدتني كاذبة ولا خالفتك منذ عاشرتني، فقال لها عليها وعليه السلام: معاذ الله، أنت أعلم بالله وأبرّ وأتقى وأكرم وأشدّ خوفا من الله من أن أوبخك غدا بمخالفتي، فقد عزّ عليّ بمفارقتك وبفقدك... ثمّ بكيا ساعة، بعد ذلك أخذ عليّ عليه السلام رأسها وضمّها إلى صدره وقال لها: أوصيني بما شئت، فإنّك تجديني وفياً، أمضي كلّ ما أمرتني به، وأختار أمرك على أمري.
وترحل الصديقة الزهراء صلوات الله عليها إلى عالمها الخاصّ، فتبقى ذكرياتها الطيبة من حسن معاشرتها وسموّ أخلاقها، حتّى قال أميرالمؤمنين عليه السلام يذكرها ذكراً جميلاً: "فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتّى قبضها الله عزّوجلّ إليه، ولا أغضبتني، ولا عصت لي أمرا، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنيّ الهموم والأحزان" .
فأي امرأة كانت فاطمة الزهراء سلام الله عليها، وأيّ أخلاق كانت تمتلك تلك الصديقة المرضية صلوات الله عليها؟! حتّى كان لها من أبيها وهو سيد المرسلين صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين إجلال خاصّ...
فهو يذكر لعليّ سلام الله عليه بعض ما فضّله الله تعالى به، فيقول له: "أوتيت ثلاثاً لم يؤتهنّ أحد، ولا أنا، أوتيت صهراً مثلي ولم أوت أنا مثلك، وأوتيت زوجة صديقة مثل ابنتي ولم أوت مثلها زوجة، وأوتيت الحسن والحسين من صلبك ولم أوت من صلبي مثلهما، ولكنّكم منّي وأنا منكم" .
هذا مارواه المحبّ الطبريّ الشافعيّ في (الرياض النّضرة)، فيما روى الطبرسي في (الاحتجاج) أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام كان يفتخر إلى آخر عمره الشريف بأنّ فاطمة كانت زوجته، وقد أفصح عن ذلك وأعلنه في مناشداته بعد أن سلبت الخلافة منه، فخاطب القوم: "نشدتكم بالله، هل فيكم أحد زوجته سيدة نساء العالمين غيري؟" ((فقالوا: لا)).
وخاطب أبابكر بقوله: " فأنشدك بالله، أنا الذي اختارني رسول الله صلى الله عليه وآله وزوّجني ابنته فاطمة وقال: الله زوّجك إياها في السماء،أم أنت؟!" فأجابه أبوبكر: بل أنت.
وبقيت – أيها الإخوة الأفاضل – أخلاق فاطمة سلام الله عليها وطيب معاشرتها، تاركة آثارها في قلب أميرالمؤمنين عليه السلام، فطالما ذكرها بمودّة وافتخار ووفاء، لا سيما في محاججاته ومناشداته، ومفاخراته... فيوم فاخره معاوية بأسرته، أجابه أميرالمؤمنين عليه السلام في ضمن كتابه:
" منّا النبيّ ومنكم المكذّب (أي أبوجهل) ومنّا أسدالله (أي حمزة) ومنكم أسد الأخلاف (أي أبو سفيان)، ومنّا سيدا شباب أهل الجنة (أي الحسن والحسين عليهما السلام)، ومنكم صبية النار (أي أولاد مروان)، ومنّا خير نساء العالمين (أي الصديقة فاطمة عليها السلام)، ومنكم حمالّه الحطب (أي أمّ جميل عمّة معاوية) " .
وكذا كتب عليه السلام إليه يوماً مفتخراً بحقّ:
محمّد النبيّ أخـــي وصهري
وحمزة سيد الشهداء عمّـــــي
وجعفر الذي يضحي ويمسي
يطير مع الملائكة ابن أمّـــي
وبنت محمّد سكني وعرسي
منوط لحمها بدمي ولحمــــي