أيها الإخوة الأعزّه المؤمنون... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. لا شكّ أنّ الأسرة هي نواة المجتمع، فإذا طابت أجواؤها كان ذلك من سعادة المجتمع. ومن الأخلاق حسن معاشرة الناس، ومن أهمّ المعاشرات ما كان مع أفراد الأسرة، تبدأ بالزّوج والزوجة، وتنعكس على الأبناء، ثمّ تسري بين الإخوة والأخوات، فتتّسع إلى الأرحام والإخوان وإلى الجار وبقية مجالات المجتمع. فالعمدة – إخوتنا الأعزّة – هي العائلة، والمبنى هو الخلق الطيب بين الزوجين، وقد كانت معاشرة الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام مع أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام نموذجا مثالياً فاخراً يقتدى به، إذ يوفر السعادة والحياة الكريمة الملأى بالمحبّة، ويهيئ الأجواء للطاعات والعبادات والصالحات.
في كتاب (مناقب آل أبي طالب) روى ابن شهر آشوب أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله سأل علياً عليه السلام: كيف وجدت أهلك؟ أي زوجتك فاطمة، فأجابه عليه السلام: نعم العون على طاعه الله. ثم سأل النبي صلى الله عليه واله ابنته فاطمة سلام الله عليها عن زوجها عليّ، فأجابته قائلة: خير بعل فأدخلا السرور على قلبه الشريف، فقال صلى الله عليه وآله داعيا لهما: "اللهم اجمع شملهما، واجعلهما وذرّيتهما من ورثة جنّة النعيم". وروي عن ابن عبّاس أنّه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله يوما على عليّ و فاطمة وهما يضحكان، فلمّا رأيا النبيّ سكتا، فقال صلى الله عليه وآله لهما: ما لكما تضحكان – فلمّا رأيتماني سكتّما؟ فبادرت فاطمة عليها السلام فقالت: يا رسول الله، قال هذا (أي عليّ عليه السلام): أنا أحبّ إلى رسول الله، فقلت: بل أنا أحبّ إلى رسول الله منك. فتبسّم رسول الله صلى الله عليه وآله وقال لها: "يا بنية، لك رقّة الولد، وعليّ أعزّ عليّ منك".
أجل، فقد كان من أخلاق مولاتنا فاطمة صلوات الله عليه مضاحكة زوجها، ومحاورته بلطف وأدب واحترام، بل وكان لها معه مفاخرة طويلة رواها ابن شاذان في كتابه (الفضائل) على صفحات عديدة، أوّل الخبر أنّ عليا عليه السلام قال لها في مداعبة كلامية: يا فاطمة، إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله يحبّني أكثر منك، فقالت له: وا عجباً منك! يحبّك اكثر منّي وأنا ثمرة فؤاده، وعضو من أعضائه، وغصن من أغصانه، وليس له ولد غيري؟! فقال لها علي عليه السلام: يا فاطمة، إن لم تصدّقيني فامضي بنا إلى أبيك محمّد صلى الله عليه وآله. فمضيا إليه صلى الله عليه وآله، فتقدّمت فاطمة تقول: يا رسول الله، أينا أحبّ إليك: أنا أم عليّ، فأجابها: أنت أحبّ إليّ، وعلي أعزّ عليّ منك. فعندها قال عليّ لفاطمة عليهما السلام: ألم أقل لك أنا ولد فاطمة (أي بنت أسد) ذات التقى، فقالت: وأنا ابنة خديجة الكبرى. قال: وأنا ابن الصّفا، قال أنا ابنة سدرة المنتهى، قال: وأنا فخر الورى، قالت: وأنا ابنة من دنا فتدلّى وكان قاب قوسين أو أدنى... قال وأنا ولدت في المحلّ البعيد المرتقى، قالت: وأنا زوّجت في الرفيع الأعلى... وتستمرّ المفاخرة، والملاطفة والمحاورة، حتّى يقول لها يغالبها: أنا قسيم الجنّه والنار، فتقول له أنا ابنة محمد المختار... فيقول: أنا البئر والقصر المشيد، فتقول: أنا منّي شبّر وشبير، ويقول: أنا بعد الرسول خير البرية، فتقول: أنا البرّة الزكية فعندها قال النبيّ لها: لا تكلّمي علياً، فإنّه ذوالبرهان، فقالت لأبيها: أنا ابنة من أنزل عليه القرآن... فقال عليّ: يا فاطمة، أنا من محمّد عصبته ونخبته، فقالت: وأنا لحمه ودمه، قال: أنا الصّحف، قالت: وأنا الشرف... ثم قامت صلوات الله عليها فقبّلت رأس عليّ وقالت له يا أبا الحسن، بحقّ رسول الله، معذرة إلى الله عزّوجلّ وإليك وإلى ابن عمّك. ثمّ قبّلت يد أبيها رسول الله. فقبلها – صلى الله عليه وآله –.