ولد في نيسابور عام ۵۱۳ هـ، وكان يتخلص في قصائده بالعطار، على اعتبار انه كان يمتهن «العطارة»، وقد يتخلص احياناً باسم «فريد». والعطار عنوان كان يطلق على باعة الادوية وصناعها. وكان ابوه عطاراً عظيماًَ في نيسابور ايضاً.
وورد في بعض كتب التراجم المتأخرة انه قد تتلمذ في الطب على يد الحكيم مجد الدين البغدادي، وهو الطبيب الخاص بالسلطان محمد خوارزم شاه، ومن كبار مشايخ التصوف. لكن لا يعتقد ان العطار قد اخذ الطب عنه، حيث لم يرد مثل ذلك في اقدم الكتب التي ترجمت له ككتاب لباب الالباب للعوفي المعاصر له. والشيخ العطار شاعر أبي النفس لم يفتح فمه بمدح الامراء والوزراء ولم يتزلف الى السلاطين والمتنفذين كما هي عادة الشعراء آنذاك. ولم يجعل من شعره وابداعاته الشعرية والفنية وسيلة للارتزاق والكسب، بل فضل العيش متواضعاً بعيداً عن البلاطات والقصور والارتزاق من كد يده، ومن مهنته المحببة الى نفسه وهي العطارة او الطبابة والصيدلة. وقد أدى ابتعاده عن الحياة الصاخبة وفراره عن الملوك والأمراء الى احاطة حياته بكثير من الغموض والابهام. وما ورد في كتب التراجم عنه قليل ومشفوع بالاساطير أحياناً:
• نزعته الصوفية اورد الجامي في نفحات الانس قصة قال انها كانت السبب الذي دفعه للنزوع نحو اهل السلوك والطريقة وهي انه كان يعمل في دكانه، عندما اقبل عليه درويش وطلب منه «شيئاً لله» فلم يعطه. فقال له الدرويش: كيف ستكون ميتتك ايها الخواجة؟ فقال له العطار: مثلما تموت انت. فقال الدرويش: وهل يمكنك ان تموت كما اموت؟ فقال: ولم لا. فوضع الدرويش جفنة خشبية كانت بيده تحت رأسه وهو يقول: الله. ثم فاضت روحه فوراً. فتغير حال العطار واغلق باب دكانه، ونحا نحو اهل الطريقة. ويشكك البعض في صحة هذه الرواية على اعتبار ان العطار قد اشار في اشعاره الى ميله للصوفية والطريقة منذ صغره. وطبقاً للتحقيقات التي قام بها البعض فان هذه الاسطورة من صناعة مريديه وهي مقتبسة عن الحكاية التي اوردها ابوريحان البيروني. وكان العطار يعد نفسه من سالكي طريق الحقيقة الحقيقيين، ويعتقد بنظرية وحدة الوجود والاتحاد مع الحق، والمحو والفناء فيه. وكان ايمانه العميق بهذه الفكرة قد خلق لديه حالة الاستغناء الكامل عن اي احد غير الله، ولم يعد لديه من امل وتطلع سوى الى مشاهدة جمال الحق والفناء في كماله. ولهذا لم يكن يعبأ بامراء عصره والحكام الذين كان يتزلف اليهم الشعراء المعاصرون له، ولم يشر في شعره الى اي منهم مادحا او ذاما. فهو يقول وبالحرف الواحد: لا اريد خبر مرضى الطباع يكفيني ما لدي من خبز اصبح غنى القلب زادي والحقيقة سري الذي لا يفنى لم آكل طعام اي ظالم ولم اكتب كتاباً باسم احد كفي بهمتي العالية ان تكون ممدوحتي وتكفيني قوة جسمي وقوة روحي فلست راغباً في لقمة السلطان ولا في صفعات الدربان وكانت لغته الصوفية لغة سهلة وفصيحة، وكان يعبر عن كل خاطرة وفكرة صوفية بشكل بسيط وبعيد عن التكلف، وهو اسلوب ربما اقتصر عليه وانفرد به دون غيره. اضف الى ذلك ما كان يعرف به من قوة خيال وباع طويل في خلق المعاني، وتقديم المعاني القديمة باسلوب رائع بحيث كانت تبدو وكأنها معان جديدة.
• مكانته عند الآخرين ووصفه ابن الفوطي بأنه كان من محاسن الزمان قولاً وفعلاً ومعرفة واصلاً وعلماً وعملاً. كما وصفه نصير الدين ابو جعفر محمد بن الحسن الطوسي انه شيخ مفوه حسن الاستنباط والمعرفة لكلام المشايخ العارفين والائمة السالكين.
• منطق الطير العطار شاعر ايراني مكثر، وقد اطلق على نفسه اسم «الثرثار»، لكثرة اشعاره، فقال في «مصيبت نامة»: لما كانت روحي قد تطبعت على الحب منذ الازل، فقد جعلني حماس الحب رجلاً ثرثاراً. وخلف كتباً شعرية عديدة مثل منطق الطير، والهي نامه، ومصيبت نامة، وأسرار نامة، وخسرو نامة، ومختار نامة وغيرها. وورد ان مجموع ابياته الشعرية الواردة في مؤلفاته يبلغ ۴۴۵۹۰ بيتاً. وتعد مثنويات «منطق الطير» اروع واجمل مثنوياته العرفانية، ووصفه البعض بتاج المثنويات. وهو في الحقيقة منظومة رمزيه تتألف من ۴۴۵۸ بيتا على بحر الرمل المسدس المقصور المحذوف. وهدف الشيخ العطار من هذا المثنوي بيان طبيعة الوجود والاخذ بيد الطالب وقلبه للوصول به الى درجة الارادة من خلال اسلوب شيق يأخذ بمجامع القلوب على لسان الطيور ولسان الهدهد الذي كان بمثابة المرشد والهادي. وسعى الشيخ العطار من خلال تلك القصة الخيالية الجميلة الى ذكر مختلف الحالات التي يمر بها المريدون ومخاطر الوساوس التي تنتاب قلوبهم، والعلاج الناجع لها من اجل الوصول الى الحق.
• الرحلة الصعبة يسرد الشاعر العطار في مثنويات «منطق الطير» قصة رحلة الطيور نحو طائر «العنقاء» - يقال لها بالفارسية «سيمرغ» اي الثلاثون طيراً - في جبل قاف. والعنقاء تعبير رمزي - كما قلنا - عن طبيعة سفر العارف السالك نحو المطلق، وهو سفر شاق ومحفوف بالمخاطر والمكاره. وخلاصة قصة تلك الرحلة التي صورها باجمل الجمل الشعرية وزوقها باحلى العبارات ذات الايقاع والموسيقى الرائعة هي ان الطيور قد اجتمعت لانتخاب ملك لها. واخبرها الهدهد المعروف بخبرته وحكمته ان ليس هناك من ملك سوى «العنقاء»، وعلى الراغبين ان ينطلقوا نحوه عبر مسيرة شاقة عسيرة ويتحملوا من اجل ذلك كافة المشاكل والعقبات التي تعترض طريقهم قبل الوصول الى مرادهم في جبل قاف. واكد الهدهد لتلك الطيور انه لن يستطيع ان يقطع ذلك الطريق الا من كان شجاعاً. ثم انبرى لوصف العنقاء التي هي الحقيقة المطلقة وجمال الحقيقة التي يبدو هذا العالم الناسوتي بكل جماله الظاهري كالشبح امامها، وزرع فيها نفس الشوق لمشاهدتها. وعندما ادرك الهدهد ان الطيور قد ملكت عليها العنقاء لبها واخذت بمجامع قلبها، اخذ يشرح لها طبيعة تلك الراحلة الطويلة والوديان التي لابد من اجتيازها. وبعد ان اكمل الهدهد حديثه عن هذه الوديان وعقبات الطريق حاولت الطيور الانسحاب من تلك الرحلة واحدا واحدا معتذرة كل وفق طريقته الخاصة وذريعته ومحبته، وهي اعذار تكشف عن مدى تعلقها وانجذابها الى اشياء تافهة زائلة غير حقيقة. وينبري الهدهد للرد عليها وتفنيد تلك الذرائع والحجج وبيان خواء تلك الأعذار، ويؤكد لها: ان من يريد لقاء الحبيب فلابد له من الانفصال عن كافة ما يربطه بغيره وما يجذبه الى سواه. وتقترع الطيور لاختيار زعيمها ومرشدها في تلك الرحلة، فتقع القرعة على الهدهد، غير انها لا زالت تعاني من القلق والاضطراب، فتأني اليه لتسأله عن آداب السلوك، فيتحدث لها عن تلك الآداب واحدا واحدا، ثم تطرح عليه اشكالاتها، فيجيب على تلك الاشكالات بلسان جميل مؤثر مشفوع بالقصص والمواعظ. وبعد ان حصلت القناعة الكافية لدى تلك الطيور وادركت انها لابد لها من القيام بتلك الرحلة مهما كانت شاقة من اجل ان تحظى بلقاء الحبيب، بدأت رحله السلوك مبتدئه بوادي الطلب، طالبه عنقاء الحقيقة. لكن هل بامكان كافة تلك الطيور ان تسلك تلك الوديان السبعة برمتها وتجتاز كافة تلك العقبات والموانع؟ من الطبيعي لا، فقد تخلف البعض في محطات الطريق، وهلك البعض الآخر. ولم يصل الى كعبة الآمال وقصر السلطان سوى ثلاثين طيراً فقط. ووقفت تلك الطيور الثلاثون على ابواب قصر الحبيب منتظره الاذن بالدخول.. واشرقت عليها الشمس السرمدية، واصبحت وجها لوجه امام مرآة الحق، فوجدت صورتها - اي صورة ثلاثين طيراً - في تلك المرآة. فادركت تلك الطيور حينئذ ان العنقاء ليست شيئا منفصلاً عنها، وانها - اي الطيور الثلاثين - قد فنت وانمحت في العنقاء واصبحت جزء لا يتجزأ منها وكياناً لا ينفصل عنها. توفى الشيخ العطار النيسابوري عام ۶۲۷ه ق مقتولاً أثناء فتنة المغول ومذبحتهم التي ارتكبوها في نيسابور.
• مقتطف من منطق الطير عُلّق أحد الرجال وهو مكبل بالقيد، والأصفاد في يديه وعندما حانت ساعة ضرب عنقه تعطفت عليه زوجة الجلاد بكسرة خبز. وما إن أقبل الجلاد ممسكاً بسيفه، حتى رأى المسكين وكسرة الخبز في يده. فقال له: من أعطاك أيها الحقير هذا الخبز؟ قال: أعطتني إياه زوجتك. فما إن سمع الرجل جوابه حتى قال: أصبح قتلك محرماً علينا، لأن كل من قضم خبزنا، لا يمكن رفع اليد بالسيف نحوه، ولا يمكن أن تكره أرواحنا من أكل خبزنا، فكيف يحل لي سفك دمك بسيفنا؟!!
إلهي، لقد سرت في طريقك، وأكلت من خبزك على خوانك، وعندما يقضم شخص خبز آخر، يكون لديه الكثير من الحقوق لدى صاحب الخبز، ولما كنت أنت بحر الجود المالك لكل شيء، وقد أكلت الكثير من خبزك، فلتصفح عني ويا إله العالمين لقد أصبحتُ من العاجزين، وعلى اليبس قدت سفينتي فخذ بيدي وكن ناصري، فما أكثر ما وضعت يدي على رأسي وكأني بعوضة فيا غافر الذنب، ويا عالماً بعذري لقد احترقت مائة مرة فكيف تريد احراقي؟ وكم أشعر بالاضطراب حياء منك، لقد ارتكبت كثيراً مما يتجافى مع المروءة، فاصفح عني. لقد اكثرت من الذنوب وأنا في غفلة، ولكنك عوضتني بمئات الأفانين من الرحمة. فيـا إلهي نظرة منك إلي، انا المسكين، فإن تر مني شراً، يصبح خيراً إن تشملني بنظرة. لقد أخطأت لأني جهول فاغفر لي، ولترحم قلبي المهموم وروحي الثكلى. إن كانت عيناي لا تبكيان في العيان، فدموع روحي تنهمر شوقاً إليك في الكتمان. ويا خالقي إن كنت قد ارتكبت الخير والشر، فكل ذلك كان نتاج جسدي، فاعف عن سقطتي وامح عني معصيتي، لقد فنيت بسببك وحرت من أجلك. يا من لا ييأس أحد من فضلك، سأظل دائماً موسوماً بحلقة عبوديتك.