اسمه ونسبه:
عمَّار بن ياسر بن عامر بن مالك.. بن يَعرُب بن قَحطان.
ولادته:
وُلد بمكّة المكرّمة بين سنة ( 53 و 57 ) قبل الهجرة النبوية.
سيرته:
يُعدُّ عمار من المسلمين الأوائل الذين تحمّلوا أصناف التعذيب والتنكيل، وكان من المهاجرين إلى المدينة، فصلّى إلى القِبلتَين، واتَّخذ في بيته مسجداً، وكان أوّل من بنى مسجداً في الإسلام.
وشهد بدراً والخندق والمشاهد كلّها، وقَتَل مجموعة من رؤوس الكفر والشرك، ودعا إلى بيعة الإمام علي ( عليه السلام )، وكان من السابقين إلى الالتحاق به والمدافعين عنه حين هوجمت دار الزهراء ( عليها السلام ).
وكان من الخواص الذين صلَّوا على جثمان الصدّيقة فاطمة ( عليها السلام )، وشيَّعوها ودفنوها سرّاً.
وَلِيَ الكوفة، وشارك في فتح مدينة تُستَر، وساهم في تعبئة الجيوش لفتح الري، والدستبي، ونهاوند، وغيرها.
مواقفه مشهودة في الاعتراض على السقيفة والشورى، التي غصبت حقوق أمير المؤمنين ( عليه السلام )، فكان يجاهر بنصرة الحق، ولم يُداهن الولاة، حتّى دِيست بطنه وأصابه الفتق وغُشي عليه.
وكان من المشاركين في توديع أبي ذر حين نُفي إلى الربذة، رغم المرسوم الصادر بالمنع من ذلك، كما أنّه قد هُدِّدَ بالنفي، وكاد يقع لولا احتجاج الإمام علي ( عليه السلام ) وبني مخزوم.
وسارع إلى مبايعة أمير المؤمنين ( عليه السلام )، وَوَبَّخَ الذين شقُّوا عصا الطاعة وأحدثوا الفُرقة في عهد الخليفة الحق.
توجّه بأمر الإمام علي ( عليه السلام ) مع الإمام الحسن ( عليه السلام )، ومِن بعدهما ثلّة من المؤمنين لعزل أبي موسى الأشعري عن الكوفة، واستنفار أهلها، فخطب هناك واحتَجَّ احتجاجات رائعة، وسحب أبا موسى من على المنبر.
ولشجاعته وشهامته وإقدامه وَلّاهُ أميرُ المؤمنين ( عليه السلام ) مناصبَ حَربِيةٍ عديدة في معركة الجمل، وقد قتل عدداً من صناديد جيش الناكثين، وشارك في عقر جمل الفتنة.
كما أنّه كان من أوائل المُشَاوَرين في حكومة الإمام علي ( عليه السلام ) قُبيل واقعة الجمل، وقبيل وقعة صفين التي أبلى فيها بلاءً كبيراً.
فقاتل فيها قتالاً شديداً، وما حجزه عن المواصلة إلاّ الليل، وكان له أثر واضح في الظفر، ثمّ كان فيها شهادته.
ولاؤه وإيمانه:
يُعدُّ عمّار بن ياسر من القلّة القليلة التي شهد لهم الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) وأئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) بالدرجات الرفيعة، والمراتب العالية من الإيمان.
ففي كتاب الله تعالى تُذكر ظُلامته من جهة، ويُوصف قلبه المؤمن بالاطمئنان من جهة ثانية، ومن جهة ثالثة يُلتمَس له العذر ويُصبح موقفه حكماً شرعياً.
فأنزل الله عز وجل قوله الكريم: ( إلاَّ مَن أُكرِهَ وَقَلبُهُ مُطمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ) النحل: 106.
فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) عندها: ( يا عمّار، إن عادوا فعُد، فقد أنزل الله عز وجل عُذرك، وأمرك أن تعود إن عادوا ).
وقد كان عمّار من أهل الولاية، ومن الموالين لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) والمخلصين المتفانين في محبّته، والمستشهَدين على هداه.
أمّا كلمات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في عمّار فهي كثيرة ووافرة، وصريحة ومتظافرة، وتشير إلى جلالته، ورفعة مقامه، وسموِّ درجاته في الدنيا والآخرة.
فمن أقواله ( صلى الله عليه وآله ) فيه:
1 – ( إنّ عمّاراً مُلئ إيماناً من قَرنه إلى قدمه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه ).
2 – ( مرحباً بالطيِّب المطيَّب، إئذنوا له ).
3 – ( دم عمّار ولحمه وعظمه حرام على النار ).
4 – ( الجنّة تشتاق إليك ـ يا علي ـ وإلى عمّار، وإلى سلمان، وإبي ذر، والمِقداد ).
ولما أخذ المسلمون يبنون مسجد المدينة، جعل عمّار يحمل حَجَرينِ حَجَرين، فمسح النبي ( صلى الله عليه وآله ) ظهره، ثمّ قال: ( إنّك من أهل الجنّة، تقتلك الفئة الباغية ).
وقال ( صلى الله عليه وآله ) له مبشِّراً: ( أبشر يا أبا اليقظان، فإنّك أخو علي في ديانته، ومن أفاضل أهل ولايته، ومن المقتولين في محبّته، تقتلك الفئة الباغية، وآخر زادك من الدنيا ضياح من لبن ) أي لبن رقيق كثير ماؤه.
منزلته:
حظي عمّار بن ياسر بمراقي الشرف والكرامة، لموالاته للنبي وآله ( عليهم السلام ).
فتسنم المنازل الرفيعة والمراتب السامقة، إذ جرى ذِكر فضائله على لسان أهل بيت النبوة والعصمة ( عليهم السلام ).
فكان أحدَ الأركان الأربعة مع سلمان والمقداد وأبي ذر، وكان أحد الماضين على منهاج نبيهم ( صلى الله عليه وآله ) من جماعة الصحابة، الأبرار الأتقياء الذين لم يبدلوا تبديلاً.
وكان عمّار من السبعة الذين بهم يُرزَق الناس وبهم يُمطَرون، وبهم يُنصَرُون، فسيّدهم أمير المؤمنين ( عليه السلام )، ومنهم سلمان، والمقداد، وأبو ذر، وعمّار، وحذيفة، وعبد الله بن مسعود، وهم الذين صَلَّوا على جثمان فاطمة الزهراء ( عليها السلام ).
وللمكانة الرفيعة التي كان يحتلُّها عمّار بن ياسر عند الإمام علي ( عليه السلام ) أنّه كان من شرَطة الخميس، وقد سئل الأصبغ: كيف سُمِّيتم شرطة الخميس ؟
فقال: إنا ضَمِنَّا له – أي لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) – الذبح، وضمنَ لنا الفَتح.
أشعاره وخطبه:
وكان شعر عمّار مرآة عاكسةً لما جال في قلبه، فترنَّم بأمجاد إمامه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وفضائله.
فَتَغَنَّى بمنهجه وهو الصراط المستقيم، ونابذ أعداءه الذين أخطأوا حظهم فاختاروا معصية الله تعالى.
فكان يقول:
طلحة فيها والزبير غادرُ ** والحقُّ في كفِّ علي ظاهرُ
ويقول أيضاً:
سِيرُوا إلى الأحزاب أَعداء النبي ** سِيروا فَخَيرُ النَّاس أَتبَاعُ عَليٍّ
أمّا خطبه فهي مثمرة بروائع من الكلمات والاحتجاجات الغلاَّبة، فيصدع بالمتخاذلين، والناكثين، والمنهزمين قائلاً: معاشر المسلمين، إنا قد كُنَّا وما نستطيع الكلام ؛ قلّةً وذِلَّة، فأعزَّنا الله بدينه، وأكرمنا برسوله، فالحمد لله رب العالمين.
يا معشرَ قريش، إلى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نَبِيِّكم ؟! تُحَوِّلُونه ها هنا مرّة، وها هنا مرّة، وما أنا آمنٌ أن ينزعه الله منكم ويضعَه في غيركم، كما نزعتموه من أهله، ووضعتموه في غير أهله.
وكأنّنا بعمّار بن ياسر يَتَرَسَّم خُطى إمامه ( عليه السلام ) ويقتدي به في بيان الحق ونصرته، وفضح الباطل وتخذيله.
شهادته:
من عنايات الله تبارك وتعالى لعباده الصالحين المخلصين أن اختار لهم خاتمة الشرف والكرامة، حيث رُزقوا الشهادة ولو بعد عمر مديد.
وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يبشّره ( رضوان الله عليه ) قائلاً: ( يا عمَّار، إنّك ستقاتل بعدي مع عليٍّ صنفين، الناكثين والقاسطين، ثمّ تقتلك الفئة الباغية ).
ففي معركة صفين برز عمّار ( رضوان الله عليه ) إلى القتال وقد دعا بشربة من ماء، فقيل له: مَا مَعَنَا ماء، فقام إليه رجل من الأنصار فأسقاه شربة من لبن، فشربه ثمّ قال: هكذا عهد إليّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يكون آخر زادي من الدنيا شربة من اللبن.
ثمّ حمل ( رضوان الله عليه ) على القوم فقتل منهم ثمانية عشر، وحمل عليه ابن جَون السكوني، وأبو العادية الفزاري، فكان الفزاري أن طعنه، أمّا ابن جون فقد احتز رأسه ( رضوان الله عليه ).
جرى ذلك في اليوم التاسع من صفر 37 هـ، وكان عمر عمّار يوم استُشهد ( رضوان الله عليه ) واحداً وتسعين عاماً، أو أربعاً وتسعين.
أمّا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقد أبَّنَه أروع تأبين، واقفاً عليه وقفة إكبار وإجلال واعتزاز، إذ جاءه إلى مصرعه وجلس إليه، ووضع رأسه في حِجره.
ثمّ قال ( عليه السلام ): ( إنّا لله وإنّا إليه راجعون، إن امرئٍ لم تدخل عليه مصيبة مِن قتل عمّار فما هو من الإسلام في شيء ).
ثمّ قال: ( رحم الله عمّاراً يوم يُبعث، ورحم الله عمّاراً يوم يُسأل ).
ثمّ قال: ( قاتلُ عمّار، وسالب عمّار، وشاتم عمّار في النار )، ثمّ صلّى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على عمّار ودفنه بثيابه ( رضوان الله عليه ).