السلام عليكم – أيها الإخوة الكرام – ورحمة الله وبركاته.
الأخلاق هي مواهب إلهية، وأرزاق ربّانية، يحظى بها أهل الإيمان والتقوى والصلاح حسب درجاتهم وحالاتهم، حين تجتمع عندهم الفكرة الجميلة، والنفسية النبيلة... فالكلّ لآدم وآدم من تراب، والجميع يعود إلى أمّنا حوّاء، فنحن إخوة في البشرية، فليكن بيننا أجواء الخير والمحّبة والرحمة، ولنشترك في نعم الله تعالى من غير حسد أو ظلم، ولنتعايش بسلام وأمان و ثقة، تسود حياتنا السعادة والاطمئنان..
ولكن دعونا نبدأ من مسقط الرأس.. من البيت وقد فتحنا أعيننا على وجهي والدنيا واستدار طرف العيون على إخوتنا... مستفيدين ممّا ورد علينا من يسير الأولياء الذين عرفت عنهم الأخلاق طاعات لله تبارك و تعالى، إذ هي رحمات تهدى إلى خلق الله، عن سجية وكرم وولاء.
وأسمى أولياء الله الذين شهدتهم أجيال الإنسانية هم محمّد وآل محمّد صلوات الله عليهم، وقد أحبببنا هنا – أيها الإخوة الأعزّة الأحبّة – أن نتعرّف على شيء من أخلاق بضعة سيد المرسلين، فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، صلوات الله عليها وعلى أبنائها الأئمّة الميامين... وذلك من خلال مواقفها الأخلاقية السامقة الفياضة بالدروس العظمى للناس جميعاً..
فإلى ذلك – أيها الأفاضل – بعد هذه الوقفة القصيرة.
في كتاب (زهد النبيّ) لأبي جعفر أحمد القمّي روي أنّه لمّا نزل على النبي صلى الله عليه وآله قوله تعالي: "وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ{٤۳} لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ{٤٤}" (سورة الحجر)
بكى النبيّ بكاء شديداً وبكى صحابته لبكائه ولم يستطيعوا أن يكلّموه، وكان النبيّ صلى الله عليه وآله إذا رأى ابنته فاطمة فرح، فانطلق بعض صحابته إلى بيتها فأخبرها، فما كان منها إلّا أن نهضت والتفّت بشملة لها خلقة تهرع إليه حتّى قالت له: يا أبت فديتك ماالذي أبكاك؟ فذكر لها ما نزل به جبرئيل الأمين، فسقطت سلام الله عليها على وجهها وهي تقول: "الويل ثمّ الويل لمن دخل النار!"
نعم، هكذا كان حنوّها على أبيها، وتلك كانت مواساتها له، حتّى كان إذا رآها انبسطت أساريره وفرح بها وهي الحنون عليه كالأم الرؤوم، ومن هنا جاء في شريف كناها: "أمّ أبيها" ... حيث كانت تخفّف آلام أبيها المصطفى صلى الله عليه وآله كالأمّ المشفقة على ولدها، فوجد منها الرقة والعطف والحنان كما يجد الولد ذلك من أمّه.
والى ذلك بلغ من الزهراء احترامها لوالدها مبلغه،وبادلها ذلك، حتّى قالت عائشة: كانت فاطمة إذا دخلت عليه رحّب بها، وقبّل يديها، وأجلسها في مجلسه. فإذا دخل عليها قامت إليه فرحّبت به وقبّلت يديه… نعم، كانت تقوم إليه، أي تنهض ثمّ تخطو نحوه في استقباله، إمعاناً في احترامه واحتفاءً بقدومه، وسروراً بمقدمه المبارك صلى الله عليه وآله.
و ينقل أصحاب اليسير كذلك – أيها الأحبّة – أنّ الصدّيقة فاطمة عليها السلام إذا دخلت على أبيها رسول الله صلى الله عليه واله قام إليها فأخذ بيدها فقبّلها وأجلسها في مجلسه، وكذا كانت هي تفعل ذلك إذا دخل عليها. وإذا قدم من سفره دخل عليها فقامت إليه واعتنقته وقبّلت ما بين عينيه.
وفي (مكارم الأخلاق) للطبرسيّ...قال الإمام الباقر عليه السلام: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أراد السفر سلّم على من أراد التسليم عليه من أهله، ثمّ يكون آخر من يسلّم عليه فاطمة عليها السلام، فيكون وجهه إلى سفره من بيتها، و إذا رجع بدأ بها" .
فسلام على البنت البارّة بأبيها، الحنون التي فاضت على حياته بالأنس والرحمة والبركات.