ورغم شهرته الواسعة الا انه لا تتوفر لدينا معلومات دقيقة عنه وخاصة عن ولادته، الا ان الادلة تشير الى انه ولد في حدود عام ۷۲٦ ه.ق في مدينة شيراز التي كان يعشقها بكل ما للكلمة من معنى. كما لا تتوفر لدينا معلومات ايضا عن عائلته واجداده، ويبدو ان ابيه كان يسمى ببهاء الدين وكان قد هاجر من اصفهان الى شيراز في فترة حكم السلطان اتابك الذي كان يحكم منطقة فارس.
منذ طفولته اتجه شمس الدين الى الكتاب والمدرسة وبعد ان تعلم علوم زمانه التحق بجلسات تدريس العلماء والفضلاء في مسقط رأسه ومنهم قوام الدين عبدالله الذي أخذ منه الكثير.
وفي مطلع شبابه تعلم الشيرازي كافة العلوم الدينية والادبية الموجودة في زمنه وصار من المشاهير في مجال العلم والادب في مدينته وهو لم ينهي عقده الثاني من العمر بعد وكان في هذه المرحلة من حياته يحفظ القرآن الكريم ويتلوه بصوت عذب وبمختلف القراءات ولذلك اطلق على نفسه لقب «حافظ». وفي شبابه ضعفت السلسلة الاتابكية وسيطر آل اينجو الايلخانيين المغول على المنطقة. وحاز حافظ على اهتمام آل اينجو ونال منصبا كبيرا اثناء فترة حكم الملك جمال الدين ابواسحاق.
واتسمت فترة حكم ابو اسحاق اينجو باستتباب العدل والانصاف، وكان هذا الملك يحب العلماء والادباء لذلك نال حافظ الشيرازي احترام وتقدير كبيرين منه، واطلق الشيرازي القابا عديدة على هذا الملك مثل «سماء العلم والحياء» وفاء من الشاعر لهذا الحاكم. وحكم ابواسحاق للفترة بين ۷٤۲ه.ق الى ۷٥٤ه.ق.
وبعد عهد من السلام والصفاء جاء الامير مبارز الدين مؤسس سلسلة آل مظفر الى الحكم بعد ان قتل اسحاق وأسس دولة كان أساسها الظلم والجور والقسوة وكان ملكا عصبيا وظالماً ومتعصبا خاصة في أمور الدين والمذهب وعامل الناس بقسوة شديدة. وحرم الناس إبان حكمه من الحريات والمواهب الطبيعية. وكان مبارز الدين يظهر نفسه بمظهر المسلم المتعصب لدينه والذي يعمل على اجراء الشريعة والاحكام الاسلامية. وعارض حافظ الشيرازي هذه الممارسات وهاجمها واعتبرها رياء ونوعا من التعصب المذهبي الظاهري. ولم تستمر فترة حكم مبارز الدين طويلا، ففي عام ۷٥۹ ه.ق قام ولداه مسعود وشجاع بمؤامرة ضده بعد ان ضاقا ذرعا بممارساته الظالمة واعتقلوه وفقؤوا عينه واسقطوا حكومته.
وعاصر حافظ الشيرازي كلا من الشاه شجاع والشاه منصور واعجب بهما بسبب نبذهما لمظاهر التعصب والتحجر في شيراز ولاهتمامهما بالشعر والشعراء، وكانا هما بدورهما يكنان له كل الاحترام ويدافعان عنه. وتزامنت الايام الاخيرة من عمر شاعرنا مع هجوم امير تيمور الملك الظالم والقاسي والدموي على شيراز بعد ان كان قد ارتكب الكثير من الجرائم والمذابح في اصفهان. وقد أعجب به تيمور بعد لقاء شهير جمعهما وحوار دار بينهما فتفضل عليه بالعناية والاهتمام والتقدير. وتوفى الخواجة حافظ الشيرازي عام ۷۹۱ه.ق بشيراز ووري الثرى في منطقة جميلة وهادئة تسمى «كلكشت مصلى» كان حافظ يحبها كثيرا، وقد تغير اسم هذه المنطقة بعد دفنه فيها واطلق عليها اسم «حافظية» واشتهرت بهذا الاسم.
ويروى انه اثناء تشييع جنازته قام عدد من المتعصبين الدينيين باعاقة الدفن وفق الشريعة الاسلامية لانهم كانوا يعتبرونه مشركا وكافرا بسبب كثرة ما جاء في قصائده من اشارات الى الشراب والطرب والساقي وغيرها وبعد شجار بين هؤلاء مع انصار الشاعر قرر الجميع التفأل بديوان شعره ووضعوه حكما في الامر فجاء الشعر الذي معناه ان: لا تمنعوا جنازة حافظ فرغم انه غارق في المعاصي لكن مثواه الجنة.
وأمضى حافظ معظم حياته في شيراز ولم يسافر سوى مرة واحدة كانت الى مدينة يزد ونال شهرة واسعة في كافة ارجاء ايران كما وصلت قصائده الى أبعد الأماكن مثل الهند حيث كان محل احترام كبير لدى سلاطين آل جلاير والملوك البهمنيين الذين حكموا منطقة الدكن في الهند. ويشتهر حافظ بالشعر الغزلي والعرفاني، ويتسم شعره بذروة الفصاحة والبلاغة والملاحة وعبّر من خلال شعره عن كافة مكنونات قلبه مثل العشق للحقيقة والوحدة والوصل بين الارواح كما عبّر عن غضبه ونفوره من الفرقة والنفاق والرياء والصراعات الظاهرة، واستخدم في أشعاره كلمات وتعابير خاصة، بيّن من خلالها ما يقصده من مفاهيم. وكان أسلوبه مبتكرا وفريدا من نوعه وتعتبر قصائده قمة الابداع في الأدب الفارسي. ويستخدم حافظ مصطلحات مثل «باده ومي» وتعنيان الشراب و«ميكدة» وتعني محل الشرب ويقصد منهما معان عرفانية وليس المعنى الظاهري لمثل هذه الكلمات.
يمكن القول ان شعر حافظ هو مزيج من معاني العشق والمعاني الاجتماعية والعرفانية وفي كل قصائده الغزلية يقصد الى جانب العبارات العادية ايصال مفاهيم متعالية عن الوجود والحب والعفو والعنف والرياء والخداع الذي يمارسه من يصل الى السلطة، كما يقصد ايصال جماليات الخلقة والطبيعة والارادة العرفانية للفكر القوي وكل واحدة من هذه المضامين لها طابع تعليمي ومليئة بالعبر وتعلّم الناس طريقة ونهج وأسلوب الحياة. ولذلك يكاد لايوجد بيت في ايران يخلو من ديوان حافظ، فالايرانيون يحترمون ديوانه كثيرا ويتبادلون مع ديوانه أسرارهم ومكنونات نفوسهم وذلك عن طريق التفأل بأشعاره ولهذا فهم يطلقون عليه لقب «لسان الغيب» و«ترجمان الاسرار».
ان الفكر المتعالي لهذا الشاعر الحكيم والعارف وصل الى الشعوب الأخرى، فالشاعر الالماني الكبير «غوته» يعتبره من أعظم المفكرين في تاريخ الوجود يرى انه يعطي للبشرية دروسا في الحب والعشق.
وترجم ديوان حافظ الى العديد من اللغات ويعتبر من اشهر الكتب في الادب العالمي. وتعقد سنويا العديد من الندوات والملتقيات في ايران والدول الاخرى لدراسة شخصية هذا الشاعر الكبير، وقد اعتبرته منظمة اليونسكو من كنوز الادب الخالدة في الادب في العالم كما أن مرقده في حافظية شيراز المفعم بالاسرار والرموز هو الان مزار للعرفاء من محبي الادب في العالم يزورونه للاعراب عن اعجابهم بعمق معرفة وعلم هذا الشاعر والحكيم الجليل.
لايزال الشاعر حافظ الشيرازي الرجل الذي عاش في القرن الثامن الهجري حتى اليوم شاعر الشعراء في إيران. فيزور قبره في شيراز جنوبي ايران الآلاف سنويا، وتقرأ الفاتحة لروحه عددا لا يحصى من المرات كل يوم،عندما يستخير الإيرانيون بشعره.
وإذا كان الشاعر الذي عمل خبازا منذ طفولته أثر بشكل لايوصف في شعراء الغرب وفلاسفتهم، إذ عرف عن «غوته» عشقه لأشعار حافظ، فإنه أيضا شديد التأثير في حياة العامة والبسطاء خاصة في محطات القطار وأماكن التجمع والازدحام في الشوارع وعلى أبواب المجمعات التجارية.
لا يكاد يخلو بيت إيراني من ديوان حافظ ووفقا لتقاليد قديمة، فإن الإيرانيين في الأعياد الدينية وغيرها يأخذون الطالع من الديوان، إذ يقوم الشخص المتقدم في السن أو من عرف عنه صفاء النية بفتح عشوائي لصفحة من ديوان حافظ، ومن ثم يقرأ الشعر الموجود بصوت مرتفع ويقوم بتفسيره مع محاولة لأخذ إشارات من الشعر بشأن نية صاحب الفال. أما الأشخاص المتدينون فيبدؤون بقراءة الفاتحة لروح حافظ ثم يقبلون الديوان ومع الدعاء يفتحون إحدى الصفحات ليروا ما يخبرهم به شاعرهم.