هذا من مفاخر النجف الاشرف ومن صناعة النجف الاشرف وتحفة من التحف البشرية النادرة من عناصر حوزة النجف الاشرف في زمانه، هو استاذ ماهر يعني نخبة من التلاميذ المتقدمين الذين خدموا الثقافة الاسلامية العامة بل الثقافة العامة لكل الاديان، نخبة في مقدمتهم افرض السيد الطباطبائي رضوان الله عليه صاحب تفسير الميزان كذلك من تلاميذه المرحوم الشيخ محمد تقي الاملي، المرحوم الطباطبائي كان يسأل عن العلمية التي عنده فكان يقول بأني اخذت ذلك كله من استاذي المرحوم الميرزا علي القاضي خصوصاً مسألة او اسلوب تفسير القران بالقران هذا ابتكار ابتكره المرحوم السيد محمد حسين الطباطبائي فلما سأل من هو صاحب هذا الابتكار قال اخذته من استاذي المرحوم الميرزا علي القاضي.
هذا العالم الجليل اساساً من مواليد تبريز عام ۱۲۸۲ هجرية هذه ولادته ومن طفولته هو شب على حب العلم والتعلم وكان دهشة يعني للجميع في خوارقه على صعيد الذكاء وقوة الحافظة.
بعد حصوله المقدمات انتقل الى حاضرة العلم مدينة باب علوم رسول الله وهي النجف الاشرف فلاحظ طلاب الحوزة العلمية انذاك عند هذا المرحوم العالم الكبير وهو شاب في مقتبل العمر، لاحظوا فيه قلة الكلام وكبر الافعال وكثرة الاعمال فالرجل كان من السحر هكذا على حركة الى ما يقارب منتصف الليل من بحث الى بحث ومن كتابة الى كتابة والى عبادة هذا على كل بحد ذاته امر يثير الدهشة.
كان يكتب وينظم الشعر وسأقرأ لكم بعض نوادر شعره، لكنه كان يتجنب دائماً حب الظهور ويحاول ان يكون في الظل دائماً طبعاً هو تلميذ لليسد كاظم اليزدي اعلا الله مقامه الا ان المرحوم السيد كاظم اليزدي كان هو يستفيد منه في حالات السير والسلوك يعني هذا يحدث احياناً من باب علمته علمي وعلمني علمه، هذه موجودة في عالم التعليم والتعلم فيحدث عنه زميله المرحوم السيد محمد الهمداني رضوان الله تعالى عليه، هذا كان زميله وتلميذه لفترة طويلة، يقول ما دخلت عليه مرة الا ووجدته اما مشغولاً بالعبادة او المطالعة.
عرف الميرزا علي القاضي اعلا الله مقامه بتنكره في بعض اعماله مثلاً يذهب الى كربلاء للزيارة فكان يحاول ان لايعرفه احد فكان يلبس ملابس المزارع مثلاً او الكاسب العادي ويذهب الى الزيارة، كان طبعه يميل الى هذا، يقولون تلاميذه في بحبوحة الحر الشديد في النجف وكانت الحرارة تصل الى خمسين درجة والناس بذلك اليوم لا كهرباء ولاماء وغالباً بعد الظهر في ذلك الحر الشديد الكل يلوذ في السراديب، المرحوم الميرزا علي القاضي كان يستغل هذه الساعات بعد الظهر في شدة الحر، يستغلها لأن الطرقات فارغة والحرم خالي فيذهب الى زيارة امير المؤمنين واحد تلاميذه وهو الشيخ محمد تقي الاملي يقول ان المرحوم كان ليالي الجمعة خصوصاً يذهب عدة ساعات يجلس بين المقابر في وادي السلام وانا كنت متحيراً في تفسير هذه الظاهرة مثلاً لماذا يطيل الجلوس هناك؟ يقول الشيخ محمد تقي الاملي انا في تلك الايام اصابتني حيرة، هل اسافر الى ايران ام لا، في ذلك اليوم كان في ايران فتن واضطرابات ومشاكل، القلق ينتابني على اهلي يوم بعد يوم، يقول انا في اوج هذا التحير حضرنا الدرس واذا بعد الدرس قال لي المرحوم الميرزا علي القاضي يا فلان لا ارى سفرك الى ايران في هذه البرهة من الزمن صالحاً لك يقول انا تعجبت ثم سألني بأستغراب قال لي كيف انت تنام في غرفتك بهذا الشكل ورجليك صوب الكتب فيها آيات من القران، فيها اسماء الله، هذه هي مشكلة مورد ابتلاء، جرائد، اوراق فيها صور، فيها آيات، هذه الانسان المتدين، الملتزم عليه ان يضع هذه ضمن دائرة الاهتمام، بعضهم يستعمل ورق الجرائد كسفرة للطعام بعد ذلك يلقيها في الزبالة فهو يقول له كيف تنام في غرفتك، بعد ذلك سألته كيف انت تعرف هذا؟ فأبتسم ثم اجابني يبدو على اشكال آخر قال لي هذا من بركات او حصيلة طول جلوسي في مقبرة وادي السلام، يقول جاء على بالي هذا لماذا يطيل الجلوس هناك.
طبعاً مسألة القرب من الله سبحانه وتعالى مراتب، الاسلام بعده بمرتبة يأتي الايمان، بعده بمرتبة يأتي اليقين بعد اليقين بمرتبة يأتي دور التكاشف، الله عزوجل يقول للنبي: «وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ» فليس بالامر السهل هذا يحتاج الى رياضة واستعداد، اخلاص، صبر، مثابرة على العبادة والابتعاد عن كل ما هو فيه شبهه في المأكل، في الملبس، على كل فالعبد اذا وصل الى هذه المستويات يتحول الى اداة غير البشر العادي، طبعاً المرحوم الميرزا علي القاضي هو صاحب مشاريع لكن لم يقم بها من ماله الخاص انما كان يعيش هو ضيق مادي لكن كان مسموع الكلمة، المرحوم الحاج جاسم الاعثم من خيار الكسبة في النجف الاشرف يقول ما من حاجة تحتاج اليها العتبات، في مسجد الكوفة، في مسجد السهلة، في الصحن، خدمات للزائرين كلمت فيها المرحوم ميرزا علي القاضي الا ووجد من يقوم بها من ضمنها في مرة وضعنا يافطة فيها اسمه، نظر اليها فأخذ يرتجف وامر بأزالتها، قرأت له بعض المقاطع في تهجده:
وقد كان قلبي قبل ذا عنك
لاهياً ولكنني شوقته وتشوقاً
ثم في اخر هذه الابيات يقول:
توكل على الرب الكريم اما
ترى كفايته من قد توكل واتقى
اليك كتاب الحق فأقرأه دائماً
لترقى به حتى تلذذ باللقا
لأن احدى المراقي الى هذه المراحل التي ذكرتها هو قراءة القران بتدبر.
الميرزا علي القاضي الحديث عنه طويل وجميل، توفي رضوان الله عليه عام ۱۳٦٦ هجرية ودفن بوادي السلام بجنب قبر والده السيد حسين القاضي وعمره ثلاث وثمانين سنة وكان يوم وفاته وتشييعه يوماً عظيماً وحزيناً على مدينة النجف الاشرف وعلى حوزتها.